كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وقال مجاهد: الصواف إذا علقت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث. قال المفسرون: قوله: {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} فيه حذف أي اذكروا اسم الله على نحرها، وهو أن يقال عند النحر: باسم الله والله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك. والحكمة في اصطفافها ظهور كثرتها للناظر فتقوى نفوس المحتاجين، ويكون التقرب بنحرها عند ذلك أعظم أجراً، وإعلاء اسم الله وشعائر دينه.
فصل
إذا قال: لله عليَّ بدنة، هل يجوز نحرها في غير مكة؟ قال أبو حنيفة ومحمد يجوز وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بمكة. واتفقوا في من نذر هدياً أن عليه ذبحه بمكة.
ومن قال: لله عليَّ جزور أنه يذبحه حيث شاء. وقال أبو حنيفة: البدنة بمنزلة الجزور، فوحب أن يجوز له نحرها حيث يشاء، بخلاف الهدي فإنه قال: {هَدْياً بَالِغَ الكعبة} [المائدة: 95] فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي. واحتج أبو يوسف بقوله: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} فكان اسم البدنة يفيد كونها قربة فكان كاسم الهدي.
وأجاب أبو حنيفة بأنه ليس كل ما كان ذبحه قربة اختص بالحرم، فإن الأضحية قربة وهي جائزة في سائر الأماكن.
قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض. وأصل الوجوب السقوط، يقال: وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، ووجب الجدار: أي سقط، ومنه الواجب الشرعي كأنه وقع علينا ولزمنا. قال أوس بن حجر:
3768 - أَلَمْ تُكْسَفِ الشَّمْسِ شَمْسُ النَّهَا ... ر والبَدْرُ لِلْجَبَلِ الوَاجِبِ

الصفحة 94