كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

والثاني: أنه أُخرج على زنة المفاعلة مبالغة فيه لأن فعل المبالغة أبلغ من غيره.
وقال ابن عطية: يحسن «يُدَافِع» لأنه قد عن للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ودفعه عنهم مدافعة. يعني فتختلط فيها المفاعلة.
فصل
لما بيَّن الحج ومناسكه، وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وذكر قبل ذلك صد الكفار عن المسجد الحرام، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال: {إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا} قال مقاتل: إن الله يدفع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة، وهذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم، فاستأذنوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في قتلهم سراً فنهاهم.
والمعنى: أن الله يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين، فلذلك قال بعده {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار، وهو كقوله {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} [آل عمران: 111] وقوله {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ} [غافر: 51] وقوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} [الصافات: 72] .
{إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} في أمانة الله «كَفُوْرٍ» لنعمته. قال ابن عباس: خافوا الله فجعلوا معه شركاء وكفروا نعمه. قال الزجاج: من تقرب إلى الأصنام بِذَبِيحَتِهِ وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور. قال مقاتل: أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه.
قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} . قرأ «أُذِنَ» مبنياً للمفعول نافع وأبو عمرو وعاصم،

الصفحة 99