كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

الزمان على من سبّ الملك القتل إذا قامت البيّنة عليه بذلك. فأحضرت «مزدكى» وقالت: بلغنى أنك سببت الملك وعبته، فأنكر ذلك. فقالت: إنّ عليك شهودا، وأحضرت الشهود فشهدوا عليه بحضرة الناس، فأمرت بقتل «مزدكى» ، فقتل وأخذت جنينته غصبا، فغضب الله- عزّ وجل- عليهم للعبد الصالح. فلمّا قدم الملك من سفره قال لها: ما وفّقت وما أصبت، ولا أرانا نفلح بعده أبدا، وإن كنّا عن جنينته لأغنياء، قد كنّا نتنزّه فيها، وقد جاورنا وتحرّم بنا منذ زمان طويل، فأحسنّا جواره، وكففنا عنه الأذى لوجوب حقّه علينا، فختمت أمره بأسوأ حال الجوار. وما حملك على اجترائك عليه إلّا سفهك وسوء رأيك وقلّة عقلك وقلّة تفكّرك فى العواقب. فقالت: إنما غضبت لك وحكمت بحكمك. قال: أو ما كان يسعه حلمك ويحدوك عظم خطرك على العفو عن رجل واحد فتحفظين له جواره!.
قالت: قد كان ما كان.
فبعث الله تعالى إلياس- عليه السلام- إلى «اجاب» الملك وقومه، وأمره أن يخبرهم أنّ الله تعالى قد غضب لوليّه حين قتلوه بين أظهرهم ظلما، وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردّا الجنينة على ورتة «مزدكى» أن يهلكهما، يعنى «آجاب» وامرأته، فى جوف الجنينة أشرّ ما يكون بسفك دمهما، ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى تتعرّى عظامهما من لحومهما، ولا يمتّعان بها إلا قليلا.
قال: فجاء إلياس- عليه السلام- إلى الملك وأخبره بما أوحى الله- عزّ وجل- إليه فى أمره وأمر امرأته والجنينة. فلمّا سمع الملك ذلك اشتدّ غضبه عليه، ثم قال له: يا إلياس، والله ما أرى ما تدعونا إليه إلّا باطلا، والله ما أرى فلانا وفلانا- سمّى ملوكا منهم قد عبدوا الأوثان- إلّا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون

الصفحة 17