كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

وقحل «1» وتمعّط «2» شعره وتقشّر «3» جلده، عليه جبّة من شعر وعباءة قد خلّها «4» على صدره بخلال، فاستوقفنا، فلمّا صار معنا قذفت فى قلوبنا الهيبة والرّعب، وانقطعت ألسنتنا، ونحن فى هذا العدد الكثير وهو واحد، فلم نقدر على أن نكلّمه ونراجعه ونملأ أعيننا منه حتى رجعنا إليك، وقصّوا عليه كلام إلياس عليه السلام. فقال آجاب: لا ننتفع بالحياة ما دام إلياس حيّا. ما الذى منعكم أن تبطشوا به حين لقيتموه وتوثقوه وتأتونى به، وأنتم تعلمون أنه طلبتى وعدوّى. قالوا: أخبرناك بالذى منعنا منه ومن كلامه والبطش به. قال آجاب: ما يطاق إدا إلياس إلّا بالمكر والخديعة. فقيّض له خمسين رجلا من قومه ذوى قوّة وبأس، وعهد إليهم عهده، وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال به «5» وأن يطمعوه فى أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم، ليستنيم إليهم ويغترّ بهم، فيمكّنهم من نفسه، فيأتوا به الملك. فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذى فيه إلياس- عليه السلام- ثم تفرّقوا [فيه] «6» وهم ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون: يا نبىّ الله، ابرز لنا وأنت آمن على نفسك [فإنا قد آمنا بك وصدّقناك، وملكنا آجاب «7» ] ، وجميع بنى إسرائيل يقرءون عليك السلام ويقولون:
قد بلّغتنا رسالة ربّك، وعرفنا ما قلت، وآمنّا بك، وأجبناك إلى ما دعوتنا، فهلمّ إلينا فأنت نبيّنا ورسول ربّنا، [فأقم «8» ] بين أظهرنا واحكم فينا؛ فإنّا ننقاد لما أمرتنا، وننتهى عمّا نهيتنا، وليس يسعك أن تتخلّف عنّا مع إيماننا وطاعتنا، فتداركنا وارجع إلينا. وكلّ هذا كان منهم مما كرة وخديعة. فلمّا سمع إلياس- عليه

الصفحة 20