كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

السلام- مقالتهم وقعت بقلبه وطمع فى إيمانهم وخاف الله تعالى وأشفق من سخطه إن هو لم يظهر لهم ولم يجبهم بعد الذى سمع منهم. فلمّا أجمع على أن يبرز لهم رجع إلى نفسه فقال: لو أنّى دعوت الله- عزّ وجلّ- وسألته أن يعلمنى ما فى أنفسهم ويطلعنى على حقيقة أمرهم. فقال: اللهمّ إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لى فى البروز إليهم، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم.
فما استتمّ قوله حتى حصبوا «1» بالنار من فوقهم، فاحترقوا أجمعين.
قال: وبلغ آجاب الخبر فلم يرتدع، واحتال ثانيا فى أمر إلياس، وجهّز فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم وأمكن فى الحيلة والرأى، فأقبلوا حتى ارتقوا قلل تلك الجبال [متفرقين «2» ] ، وجعلوا ينادون: يا نبىّ الله، إنّا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته. إنّا لسنا كالذين أتوك من قبلنا، إنّ أولئك فرقة نافقت وخالفتنا، فصاروا إليك ليكيدوك «3» من غير رأينا ولا علم منّا، وذلك أنهم حسدونا وحسدوك، وخرجوا إليك سرّا، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم، والان فقد كفاك ربّك أمرهم وأهلكهم بسوء نيّاتهم وانتقم لنا ولك منهم. فلمّا سمع إلياس- عليه السلام- مقالتهم دعا الله تعالى بدعوته الأولى، فأمطر الله عليهم النار، فاحترقوا عن آخرهم، كلّ ذلك وابن الملك فى البلاء الشديد من وجعه- كما وعده الله تعالى على لسان نبيّه إلياس- لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفّف عنه من عذابه.
قال: فلمّا سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا ازداد غضبا إلى غضبه، وأراد أن يخرج «4» فى طلب إلياس بنفسه، إلّا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه فلم يمكنه، فوجّه نحو إلياس الكاتب المؤمن الذى هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل

الصفحة 21