كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

معه، وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءا. وإنما أظهر له ذلك لما اطّلع عليه من إيمانه، وكان الملك مع اطّلاعه يغضّ عنه لما هو عليه من الكفاية والأمانة والحكمة وسداد الرأى، فوجّهه نحوه، وأرسل معه فئة من أصحابه، وأوعز إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوه به إن أراد أن يتخلّف عنهم، وإن جاء مع الكاتب واثقا به آنسا بمكانه لم يوحشوه ولم يروّعوه، ثم أظهر آجاب للكاتب الإنابة وقال: إنه قد آن لى أن أتوب وأتّعظ، وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذى فيه ابنى؛ وقد عرفت أنّ ذلك بدعوة إلياس، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقى منّا فنهلك بدعوته. فانطلق إليه وأخبره أنّا قد تبنا وأنبنا، وأنه لا يصلحنا فى توبتنا وما نريد من رضا ربّنا وخلع أصنامنا إلّا أن يكون إلياس بين أظهرنا يأمرنا وينهانا، ويخبرنا بما يرضى به ربّنا. وأمر الملك قومه فاعتزلوا الأصنام، وقال له: أخبر إلياس بأنّا قد خلعنا آلهتنا التى كنّا نعبد وأرجأنا «1» أمرها حتى ينزل إلياس إلينا، فيكون هو الذى يحرقها ويهلكها وكان ذلك مكرا من الملك. فانطلق الكاتب والفئة حتى علوا الجبل الذى فيه إلياس- عليه السلام- ثم ناداه الكاتب، فعرف إلياس صوته، فتاقت نفسه إليه وأنس بمكانه وكان مشتاقا إلى لقائه، فأوحى الله تعالى إلى إلياس أن ابرز إلى أخيك الصالح فالقه وجدّد العهد به، فبرز إليه إلياس وسلّم عليه وصافحه، وقال له: ما الخبر؟ قال له المؤمن:
إنّه قد بعثنى إليك هذا الجبّار الطاغية وقومه، ثم قصّ عليه ما قالوا، ثم قال: وإنّى خائف إن رجعت إليه ولست معى أن يقتلنى، فمرنى بما شئت أن أفعله وأنتهى إليه، [إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته، وإن شئت جاهدته معك «2» ]

الصفحة 22