كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

وإن شئت فأرسلنى إليه بما تحبّ فأبلّغه رسالتك، وإن شئت دعوت ربّك أن يجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا.
قال: فأوحى الله- عزّ وجلّ- إلى إلياس عليه السلام أنّ كلّ شىء جاءوك به مكر وخديعة ليظفروا بك، وأن «آجاب» إن أخبرته رسله أنّك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك إليه اتّهمه وعرف أنه قد داهن فى أمرك، فلم يأمن أن يقتله، فانطلق معه فإنّ فى انطلاقك معه عذره وبراءته عند آجاب، وإنى سأشغل عنكما آجاب، وأضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له همّ غيره، وأميته على شرّ حال، فإذا مات فارجع عنه ولا تقم. فانطلق معهم حتى قدموا على آجاب، فلمّا قدموا عليه شدّد الله تعالى على ابنه الوجع، وأخذه الموت، فشغل الله تعالى آجاب وأصحابه بذلك عن إلياس، فرجع إلياس سالما إلى مكانه. فلمّا مات ابن آجاب وفرغوا منه وقلّ جزعه، انتبه لإلياس وسأل عنه الكاتب الذى جاء به، فقال:
ليس لى به علم، وذلك أنّه شغلنى عنه موت ابنك والجزع عليه، ولم أكن أحسبك إلّا قد استوثقت منه. فأضرب عنه آجاب وتركه لما كان فيه من الحزن على ابنه.
فلمّا طال الأمر على إلياس ملّ الكمون فى الجبال والمقام بها واشتاق إلى العمران وإلى الناس فنزل من الجبل، وانطلق حتى نزل بامرأة من بنى إسرائيل، وهى أمّ يونس ابن متّى [ذى النون، فاستخفى عندها ستة أشهر «1» ] ، ويونس يومئذ مولود يرضع، وكانت أمّ يونس تخدمه بنفسها، وتواسيه بذات يدها، ولا تدّخر عنه كرامة تقدر عليها.
ثم إنّ إلياس سئم ضيق البيوت بعد مقامه بالجبال وسعتها، فأحبّ أن يلتحق بالجبال فخرج وعاد إلى مكانه، فجزعت أمّ يونس لفراقه وأوحشها فقده، ثم لم تلبث إلّا يسيرا حتى مات ابنها [يونس «2» ] حين فطمته، فعظمت مصيبتها فيه، فخرجت فى طلب إلياس، فلم تزل ترقى الجبال وتطوف [فيها «3» ] حتّى عثرت عليه ووجدته، فقالت:

الصفحة 23