كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 14)

إنّى قد فجعت بموت ابنى بعدك، فعظمت فيه مصيبتى، واشتدّ لفقده بلائى، وليس لى ولد غيره، فارحمنى وادع ربّك- جلّ جلاله- فيحيى لى ابنى، ويجبر مصيبتى، وإنى قد تركته مسجّى لم أدفنه، وإنى قد أخفيت مكانه. فقال لها إلياس: ليس هذا ممّا أمرت به، وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرنى به ربّى، ولم يأمرنى بهذا. فجزعت المرأة وتضرّعت، فعطّف الله سبحانه وتعالى قلب إلياس عليها، فقال لها: ومتى مات ابنك؟ قالت: منذ سبعة أيام. فانطلق إلياس معها وسار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها فوجد ابنها يونس ميتّا منذ أربعة عشر يوما، فتوضّأ وصلّى ودعا الله فأحيا الله تعالى يونس بن متّى بدعوة إلياس. فلمّا عاش وجلس وثب إلياس وانصرف وعاد إلى موضعه. والله أعلم.
ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس
قال: ولمّا طال عصيان قومه ضاق إلياس بذلك ذرعا وأجهده البلاء.
فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود: يا إلياس، ما هذا الحزن والجزع الذى أنت فيه! ألست أمينى على وحيى، وحجّتى فى أرضى، وصفوتى من خلقى! فسلنى أعطك فإنّى ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم. قال: تميتنى فتلحقنى بآبائى، فإنّى قد مللت بنى إسرائيل وملّونى، وأبغضتهم فيك وأبغضونى. فأوحى الله تعالى إليه: يا إلياس، ما هذا باليوم الذى أعرى منك الأرض وأهلها، وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك إن كنتم صبرتم قليلا، ولكن تسألنى فأعطيك.
قال إلياس: فإن لم تمتنى يا إلهى فأعطنى ثأرى من بنى إسرائيل. قال الله تعالى:

الصفحة 24