أحدكم في بطن أمه"، وفيه: "ويؤمر بكتب رزقه وأجله" (¬1)؛ لأمرين:
أحدهما؛ أن معنى البسط في الرزق: البركة فيه؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال، وتزيد فيه فينمو بها ويزكو.
ومعنى قوله: ("يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ") يبقى ذكره الطيب وثناؤه الجميل مذكورًا عَلَى الألسنة فكأنه لم يمت، وبه قَالَ القاضي عياض فقال: المراد بقاء الثناء الجميل بعد الموت (¬2). والعرب تقول: الثناء يعارض الخلود. قَالَ الشاعر:
إن الثناء هوالخلو ... د كما يسمى الذم موتًا
قَالَ: قد مات قوم وهم في الناس أحياء (¬3).
يعني: بسوء أفعالهم وقبح ذكرهم.
ثانيهما: أنه يجوز أن يكتب في بطن أمه أنه إن وصل رحمه فإن رزقه وأجله كذا، وإن لم يصله فكذا؛ لدلالة قوله تعالى في قصة نوح - عليه السلام -: {وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: 3 - 4] يريد أجلًا قد قضى به إليكم إن أطعتم يؤخركم إليه؛ لأن أجل الله إذا جاء في حال معصيتهم لا يؤخر عنهم، قَالَ تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 98] وهو
¬__________
(¬1) سيأتي برقم (3208) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ورواه مسلم (2643) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. من حديث ابن مسعود.
(¬2) "إكمال المعلم" 8/ 21.
(¬3) هذا عجز بيت صدره: موت التقى حياة لا نفاد لها. وهو يدل على أن معنى العجز خلاف ما قاله المصنف -رحمه الله- تابعًا فيه ابن بطال في "شرحه" 6/ 206.
والبيت بكامله في: "مجمع الحكم والأمثال" في: التقوى. و"المستطرف" 1/ 313 ونسبه لمعروف الكرخي.