كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 14)

ولا بد لنا أن نذكر نبذة هنا فنقول: هذا الحديث أصل في باب الورع وما يجتنب من الشبه. والشبه: كل ما أشبه الحلال من وجه والحرام من آخر، والورع: اجتنابها فالحلال البين: ما علم المرء ملكه يقينًا لنفسه، والحرام البين عكسه، والشبهة: ما يجده في بيته فلا يدري أهو له أو لغيره. وقد اختلف في حكم المشتبهات عَلَى أقوال أسلفناها هناك، فرواية: "لا يعلمها كثير من الناس" (¬1) دالة عَلَى الوقف. ورواية: "من وقع في الشبهات وقع في الحرام" (¬2) دالة عَلَى أن تركها واجب. ورواية: "من رتع حول الحمى يوشك أن يواقعه" (¬3) تدل عَلَى الحيل. وقيل: قوله: ("حَوْلَ الحِمَى") نهيٌ عما يشك فيه هو من الحمى أو مما حوله؟ فنزهه عما قرب منه، ولم يشك فيه خوفًا أن تزين النفس أنه ليس منه، ويحمل عَلَى الندب.
والمشتبهات في الدماء والأموال والأعراض والفتيا والقضاء وغير ذَلِكَ، فأشدها الاجتراء عَلَى الفتيا بغير علم؛ لأنه قد تزين له نفسه أنه أهل لها وهو خلافه، قَالَ تعالى: {فَاَحكمُ بَينَ اَلنًاسِ بِاَلحِق} الآية
[ص: 26]. وفي الحديث: "حبك للشيء يعمي ويصم" (¬4). ويقال:
¬__________
(¬1) سلفت برقم (52).
(¬2) سلفت برقم (1599).
(¬3) في حديث الباب.
(¬4) رواه أبو داود (5130)، وأحمد 5/ 194، 6/ 450، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 214 (205)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 107، 3/ 171 - 172، والطبراني في "الأوسط" 4/ 334 (4359) وفي "مسند الشاميين" 2/ 340 (1454)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 212، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 157 (219)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 368 (411)، والمزي في "تهذيب الكمال" 4/ 287 من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن =

الصفحة 34