كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 14)

واجبة، لما تقرر من فضل أهل ذَلِكَ القرن، وبعدهم عن مخالفة أمر الله ورسوله في ترك التسمية عَلَى الصيد (¬1). وإنما لم تدخل الوساوس في حكم الشهات المأمور باجتنابها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم" (¬2) فالوسوسة ملغاة مطرحة لا حكم لها ما لم تستقر وتثبت. والمالكية حملوا حديث عبد الله بن زيد عَلَى المستنكح الذي يغتر به ذَلِكَ كثيرًا بدليل شكايته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ. والشكوى إنما تكون من علة، فإذا كثر الشك في مثل ذَلِكَ وجب إلغاؤه وإطراحه؛ لأنه لو أوجب له - صلى الله عليه وسلم - حكمًا؛ لما انفك صاحبه من أن يعود إليه مثل ذَلِكَ التخيل والظن فيقع في ضيق وحرج. وكذا حديث عائشة مثل هذا المعنى؛ لأنه لو حمل ذَلِكَ الصيد عَلَى أنه لم يذكر اسم الله عليه، لكان في ذَلِكَ أعظم الحرج، والمسلمون محمولون عَلَى السلامة، ولا ينبغي أن نظن بهم ترك التسمية، فتضعف الشبهة فيه، فلذلك لم يحكم بها وغلب الحكم بضدها، لأن المسلمين في ذَلِكَ الزمن كانوا من القرن الذين أُثني عليهم، فلا يتوجه إليهم سوء الظن في دينهم (¬3).
وكذا قَالَ أبو عمر: في الحديث من الفقه أن ما ذبحه المسلم ولا يدرى هل سمى عليه أم لا؟ أنه لا بأس به، وهو محمول عَلَى
¬__________
(¬1) "شرح ابن بطال" 6/ 200.
(¬2) رواه مسلم (127) عن أبي هريرة.
(¬3) يشير المصنف -رحمه الله- إلى حديث ابن مسعود الآتي برقم (2652): "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... " الحديث. ورواه مسلم (2533).
ورواه مسلم أيضًا (2534 - 2536) من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين وعائشة، بنحوه.

الصفحة 64