كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 14)

أنه سمى، إذ المؤمن لا يظن به إلاِ الخير، وذبيحته وصيده أبدًا محمولة عَلَى السلامة حَتَّى يتبين غيره من تعمد ترك التسمية ونحوه، قَالَ: وبلغني أن ابن عباس سئل عن الذي نسي أن يسمي الله -عز وجل- عَلَى ذبيحته، قَالَ: يسمي الله ويأكل ولا بأس عليه (¬1). وقال مالك مثله.
ومما يدل عَلَى بطلان قول من قَالَ: إن ذَلِكَ كان قبل نزول: {وَلَا تَأكُلُو} أن هذا الحديث كان بالمدينة، وأن أهل مكة باديتها هم الذين أشير إليهم بالذكر في الحديث. ولا يختلف العلماء أن الآية نزلت في الأنعام بمكة، وأن الأنعام مكية.
قلت: لكن ذكر الثعلبي وغيره أن فيها ست آيات مدنيات نزلن بها.
وأجمع العلماء عَلَى أن التسمية عَلَى الأكل إنما معناها التبرك لا مدخل لها في الذكاة بوجه من الوجوه. واستدل جماعة العلماء عَلَى أن التسمية ليست واجبة بهذا الحديث لما أمرهم بأكل ذبيحة الأعراب بالبادية، إذ يمكن أن يسموا ويمكن أن لا بجهلهم. ولو كان الأصل أن لا يؤكل من ذبائح المسلمين إلا ما صحت التسمية عليه لم يجز استباحة شيء من ذَلِكَ إلا بيقين من التسمية، إذ الفرائض لا تؤدى إلا بيقين، والشك والإمكان لا تستباح به المحرمات. قالوا: وأما قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 121] فإنما خرج على تحريم الميتة وتحريم ما ذبح على النصب وأهل به لغير الله، قال ابن عباس: خاصمت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: أنأكل مما قتلنا ولا نأكل
¬__________
(¬1) "التمهيد" 22/ 299 - 303. وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 479 (8538، 8541)، 4/ 481 (8548)، والدارقطني 4/ 296، والحاكم 4/ 233، والبيهقي 9/ 239 من طرق عنه، وبألفاظ مختلفة.

الصفحة 65