كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 14)

وكان عمر قد استعمل أبا موسى، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا ساعيًا وعاملًا عَلَى بعض الصدقات، وهذِه منزلة رفيعة في الثقة والأمانة (¬1).
وزعم الترمذي أن عمر إنما أنكر عَلَى أبي موسى قول: "الاستئذان ثلاث مرات فإن أذن لك، وإلا فارجع" (¬2)، وذلك أن أبا زميل روى عن ابن عباس قَالَ: حَدَّثَني عمر بن الخطاب قَالَ: استأذنت عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا فأذن لي. ثم قَالَ: حسن غريب (¬3).
وفيه دلالة على أن طلب الدنيا تمنع من استفادة العلم، وأن كلما ازداد المرء طلبًا لها ازداد جهلًا، وقلَّ علمه، ومن هذا قول أبي هريرة السالف: وإن إخواني من المهاجريق كان يشغلهم السفق بالأسواق (¬4)، وروى عقيل عن ابن شهاب أنه قَالَ: إنما سن التسليمات الثلاثة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أتى سعد بن عبادة، فقال: "السلام عليكم"، فلم يردوا، ثم قَالَ: "السلام عليكم"، فلم يردوا، فرجع - صلى الله عليه وسلم -، فلما فقد سعد صوت رسول - صلى الله عليه وسلم -، عرف أنه قد انصرف، فخرج سعد في إثره حَتَى أدركه، فقال: وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك. الحديث (¬5). وروى حماد بن سلمة، عن أيوب وحبيب، عن محمد، عن أبي هريرة قَالَ:
¬__________
(¬1) "التمهيد" 3/ 198 - 201 بتصرف.
(¬2) إذكار عمر على أبي موسى هذا القول رواه الترمذي في الحديث السابق على حديث أبي زُمَيل، والقول رواه مسلم (2153/ 34) من حديث أبي سعيد الخدري.
(¬3) "سنن الترمذي" 5/ 54. وحديث ابن عباس رواه الترمذي برقم (2691).
وأصله في مسلم (1479/ 30). وانظر ما سيأتي برقم (5191).
(¬4) سلف برقم (118) وسلف أول البيوع (2047) ورواه مسلم (2492).
(¬5) حديث سعد بن عبادة رواه عبد الرزاق في "المصنف" 10/ 383 - 384 (19425)، وعنه أحمد 3/ 138، والبيهقي 7/ 287، والضياء في "المختارة" 5/ 157 - 158 (1783 - 1784) من طريق معمر عن ثابت عن أنس أو غيره أن =

الصفحة 88