كتاب ديوان السنة - قسم الطهارة (اسم الجزء: 15)

ولم يتعرَّضِ ابنُ حَجَرٍ لِما فيه مِن ضعف في السند! ، وضعفٍ في دلالة المتن! ، وإنما اقتصر على قولِه: "يحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفًا، فله حُكْمُ الرفع؛ لأن هذا لا يقال من قِبَل الرأي، فهو على هذا مرسل" (التلخيص ١/ ١٦٢).
وبنحو هذا قال العَيْنيُّ في (البناية ١/ ٢٢٠)، والقاري في (الأسرار ٤٣٤)، والزَّبِيديُّ في (الإتحاف ٢/ ٣٦٥)، والشَّوْكانيُّ في (النيل ١/ ٢٠٧).
وإنما قال ابنُ حَجَرٍ: "فهو على هذا مرسل"، لكون موسى تابعيًّا، وعلى هذا فيحتمل أيضًا أن يكون معضَلًا حسَب رواية حَجَّاج! وإن كنا لا نُسَلِّمُ أصلًا بأن هذا الأثر له حُكْمُ الرفع؛ إذ للاجتهاد فيه مجال، ولذا لم يجزم الحافظ برفْعِه، وإنما قال: "يحتمل أن يقال"، ونقول: ويحتمل - إنْ صَحَّ - أن قائله ممن يرى أنه لا سبيل للنار على مواضعِ الوُضوء من العبد، فرأى إلحاقَ موضعِ الأغلال بالوُضوء؛ كي يَنْجُوَ منها، كما نَجَتْ مواضعُ السجود من النار؛ لحديث أبي هريرةَ عند البُخاريِّ (٨٠٦)، ومسلمٍ (١٨٢)، بلفظ: "حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ"، وعامَّةُ مواضعِ السجود داخلةٌ في الوُضوء.
بل إن القُرْطُبيَّ قد استَدَلَّ بهذا الحديثِ ونحوِه "على أن أهل الكبائر من أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم لا تَسْوَدُ لهم وجوهٌ، ولا تزرقُّ لهم أعينٌ، ولا يُغَلُّون" (التذكرة ٧٩٢).
ثُمَّ إن هذا الأثر لم يَخْفَ على ابنِ الصَّلاحِ كما يُوحيه كلامُ ابن حَجَر، بل ذكره مباشرة عَقِبَ قوله السابق في (المُشْكِل/ بحاشية الوسيط ١/ ٢٨٨)، ولم يُثْنِيه ذلك عن جزْمِه بأن الحديث لا يَثبُتُ مرفوعًا عند أهل الحديث، وأنه من قول بعض السلف، مما يدل على أنه لم يَرَ في هذا الأثر ما رآه

الصفحة 140