كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
عشرين ألف فارس ، فلما فروا حملت العساكر عليهم وأبادوهم قتلا وأسرا ، وتبعتهم
العساكر بقية النهار إلى الليل .
ولما كان في يوم الاثنين رابع شهر رمضان جرد السلطان الأمير سيف الدين
سلار ، والأمير عز الدين أيبك الخزندار ، وغيرهم من العساكر يقفون آثارهم . ثم
ركب السلطان في يوم الاثنين من مكان الوقعة وبات بالكسوة ودخل إلى دمشق في
بكرة نهار الثلاثاء خامس الشهر ، هو والخليفة ، ونزل بالقصر الأبلق ، ثم بالقلعة ،
ونزل الخليفة بالتربة الناصرية ، وأقام السلطان بدمشق إلى ثاني شوال ، ورحل من
دمشق في يوم الثلاثاء الثالث من شوال ووصل إلى القاهرة ، ودخل في الثالث
والعشرين منه ، وشق المدينة ، ونزل بالمدرسة المنصورية ؛ لزيارة قبر والده السلطان
الملك المنصور ، ثم ركب وطلع إلى قلعة الجبل ، واحتفل الناس لمقدمه احتفالا
عظيما ، وزينت القاهرة بزينة لم يشاهد مثلها فيما مضى ، واستمرت الزينة بها بعد
وصول الأمير بدر الدين بكتوت الفتاح بكتاب البشارة ، في يوم الأحد عاشر شهر
رمضان ، إلى أن قدم السلطان بعد ذلك بأيام .
وقد ذكر الناس هذه الغزوة نظما ونثرا ، ووقفت مما عمل فيها على أشياء
كثيرة ، وقد رأيت أن أورد من ذلك ما نقف عليه من النظم والنثر ، فكان ممن عمل
في ذلك القاضي الرئيس الفاضل علاء الدين علي بن عبد الظاهر صنف في خبر
هذه الوقعة جزءا سماه الروض الزاهر في غزوة الملك الناصر ابتدأه بأن قال : الحمد
لله الذي أيد الدين المحمدي بناصره ، وحمى حماه بمن مضى هو وسلفه بأداء فرض
الجهاد في أول الزمان وآخره ، وجعل من الذرية المنصورية من يجاهد في الله حق
جهاده ، ويسهر في سبيل الله فيمنع طرف السيف أن يغفى في إغماده ، ويقدم يوم
الوغى والموت من بعوثه للعدى وأجناده نحمده على ما وهبنا من نصره ، ونشكره
على نعمه التي خولنا منها بأسا أذاق العدو وبال أمره ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له شهادة ترفع منار هذا الدين ، وتضاعف أجر المجاهدين الذين أضحوا في
درج المتقين مرتقين ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعثه وضروع الكفر

الصفحة 20