كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
حوافل ، وربوع البغي أواهل . فلم يزل يجرد الصفاح من مقرها ، ويطلق جياد الغرم
في مجراها وصعاد الحزم في بحرها ، إلى أن أخمد نار الشرك والنفاق ، وظهرت
معجزاته بإظفار نار فارس بالعراق ، صلى الله عليه وعلى آله الذين جردوا بين يديه
سيوف الحتوف ، فاستغلقت الأعمار ، وهاجروا إليه ونصروه فسموا المهاجرين
والأنصار ، وبعد : فإن الوقائع التي عظمت آثارها في الآفاق ، وحفظت بها دماء
المسلمين من أن تراق ، وبقي بها الملك والممالك ، وأشرق بها سواد الخطب
الحالك . وسطرها الله تعالى في صحائف مولانا السلطان الملك الناصر ، وآتاه فيها من
الملك ما لم يبلغه أحد ، فأورثه به ظفرا مخلدا لا يفنى وإن طال المدار والأمد ،
وأشبه في ثباته ووثباته بها أباه رضي الله عنه ، والشبل في المخبر مثل الأسد ، واستقر
بها الملك في مهاد السكون بعد القلق ، وتبدلت بها الملة الإسلامية الأمن بعد الفرق ،
وأضحى بها وجه الإسلام سافرا بعد تقطيبه ، وطلع بها بدر السرور كاملا بعد مغيبه ،
وعمت الأيام إحسانا من الملك وحسنى وعلم المؤمنين بها تحقيق قوله عز وجل :
) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين
من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ( [ النور : الآية
55 ] حقها أن يسطر فيها ما يعمر ربوع السرور ويؤنس معاهده ، ويقف عليه الغائب
فيكون كمن شاهده ويذيع أنباء هذه النصرة في الأقطار ، ويتحقق أهل الإسلام أن لهم
ملكا يناضل عن دين الله بالسمر الطوال والبيض القصار ، وسلطانا ما أغمد سيفه في
جفنه إلا ليستجم لأخذ الثأر ممن ثار .
ولما كانت هذه الغزاة المبرورة ، والحركات التي عدت حسناتها في صحائف
القبول مسطورة ، والسفرة التي أسفرت بحمد الله عن الغنيمة والسلامة ، وأعلمت الأمة
بركة قوله [ ] : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى
يوم القيامة " . وكنت ممن شملته نفحات الرحمة فيها ، وهبت عليه رياح النصر التي
كانت ترجيها ، وشاهدت صدق العزائم الملكية الناصرية ، التي طلعت في سماء النقع
نجوما وقادة ، وشهدت في محضر الغزو على إقرار العدى بالعجز ، وكيف لا وذاك
المواطن محل الشهادة ، ورأيت كيف أثبت السيف لنا الحق لأنه القاضي في ذلك
المجال ، وكيف نفذت السهام لأجل تصميمه في الحكم ، فلم تمهل حتى أخذت دين
الآجال وهو حال ، وقد أحببت أن أذكر من أمرها ملحة تنشرح منها الصدور ، وآتي
بلمعة تعرب عن ذلك النور ، وها أنا أذكر نبأ السفر من افتتاحه ، وأشرح حديث هذه
الغزاة من وقت صباحه ، فأقول :
الصفحة 21
264