كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 22 """"""
ركب مولانا السلطان الملك الناصر خلد الله ملكه - بنية صالحة أخلصها في
سبيل ربه ، وعزيمة ناجحة ماثلت في المضاء سمر عواليه وبيض قضبه ، من قلعة مصر
التي هي كنانة الله في أرضه ، بجيوشه التي نهضت بسنن الجهاد وفرضه ، تقدمها
أمراؤه الذين كأنهم ليوث غاب ، أو غيوث سحاب ، أو بدور ليال ، أو عقود لآل
معتضدا ببضعة من الرسول ، منتصرا بابن عمه ، الذي لا يسمو أحد من غير أهل بيته
لشرفه ، ولا يطول ، ملتمسا بركة هذا البيت الشريف الذي طالما كانت الملائكة من
نجده وجنده ، مسترسلا بيمنة الإيمان سحب كرمه ، مستدعيا صادق وعده . وسار على
اسم الله تعالى بالجاريات الجياد ، التي تعدو في سبيل الله النجاد ، وتعلو الهضاب ،
وسرى يقطع المنازل ، ويطوي المراحل طي السجل للكتاب ، والجيوش المنصورة قد
أرهفت حد سيوفها وأشرعت أسنة حتوفها ، وهي تسير كالجبال ، وتبعث كالصدى ما
يرهب من طيف الخيال .
فبينما الركاب قد استقلت في السرى ، ورقمت في البيداء من أعناق جيادها
سطور من قرأها استغنى بحسنها عن القرى ، إذا بالبشير قد وفد ونجم المسرة قد
وقد ، وأخبر بأن جمعا من التتار قصدوا القريتين للإغارة ، ما علموا أن ذلك مبدأ
خمولهم الذي فتح الله به للإسلام باب الهناء والبشارة ، وغرتهم الآمال ، وساقتهم
الحتوف للآجال ، فنهض بعض العساكر المؤيدة ، فأخذتهم أخذ القرى وهي ظالمة ،
وأعلمتهم أن السيوف الإسلامية ما تترك لهم بعد هذا العام - بقولة يدا في الحرب
مبسوطة ، ولا رجلا في المواقف قائمة ، وأرى الله العدو مصارع بغيه ، وعاقبة
استحواذه ، وتلا لسان الوعد الصادق على حزب الإيمان ) وعدكم الله مغانم كثيرة
تأخذونها فعجل لكم هذه ( [ الفتح : الآية 20 ] ، ووصل مولانا السلطان - خلد الله
ملكه - غزة ، والإسلام بحمد الله قد زاد قوة وعزة ، ثم رحل بحمد الله - بعزم لا
يفتر عن المسير ، وجيش أقسم النصر أن لا يفارقه وأن يصير معه حيث يصير ، إلى
أن وصلوا يوم السبت الثاني من شهر رمضان المعظم سنة اثنتين وسبعمائة ، وهو
أول أيام السعود ، واليوم الذي جمع فيه الناس ) ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم
مشهود ( [ هود : الآية 103 ] إلى مرج الصفر الذي هو موطن الظفر ، ومكان النصر
الذي يحدث عنه السمار بأطيب سمر . والسلطان بين عساكره كالبدر بين النجوم ،
والملائكة الكرام تحمي الجيوش المؤيدة بإذن الله ، وطيور النصر عليها تحوم ، وهو
- خلد الله ملكه - قد بايع الله على نصرة هذه الملة التي لا يحيد عن نصرها ولا
يريم ، وعاهده على بذل الهمم التي انتظمت في سبيل الله كالعقد النظيم ، وخضع لله

الصفحة 22