كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 225 """"""
أما ماردين فبلغ ثمن الرطل الخبز بالدمشقي بها من ثلاثة دراهم إلى أربعة
دراهم وعدم غالبا مع عدم بقية الأقوات ، ومات خلق كثير من أهلها وأكل الناس
الميتة ، ومنهم من باع أولاده .
وأما الجزيرة العمرية فقيل إنه مات منها من أول هذه السنة إلى سلخ شهر ربيع
الآخر خمسة عشر ألفا بالجوع والوباء وأبيع من الأولاد نحو ثلاثة آلاف صبي ، وكان
الصبي يباع من خمسين درهما إلى عشرة دراهم ويشتريهم التتار وكان المار بها يمر
من باب الجبل إلى باب الشط فلا يجد أحدا إلى أنه يشم روائح الجيف خارجة من
البيوت وصارت الكلاب تأكل جيف الناس وتأوي إلى المسجد الجامع ، وبطلت
الجمعة نحو شهر .
وأما ميافارقين فمات غالب أهلها بحيث إن المار بأسواقها لم يجد غير ستة
حوانيت وأما الموصل فكان الغلاء والجلاء وبيع الأولاد فيها أشد من ماردين حتى
خلت الدور من أهلها بعد أن باعوا كل عزيز ونفيس وأكلوا الميتة وحكى أن بعض
أهلها باع ولده باثني عشر درهما وقال هذا الولد أنفقت على ختانه خمسين دينار وكان
المشترون يمتنعون من شراء أولاد المسلمين وكانت المرأة والصبية تقول : إنها نصرانية
لتشتري .
وأما مدينة إربل فأكل أهلها جميع النبات الموجود ثم أكلوا لحاء الأشجار
وقلوبها ثم أكلوا الميتة وجاءهم الموت الذريع ثم شرعوا في الجلاء فنزح منهم جماعة
من الحواضر نحو أربعمائة بيت لقصد مدينة مراغة فسقط عليهم ثلج وأصابهم برد
شديد فماتوا بأجمعهم وخرجت طائفة أخرى أكثر من الأولى من البلد والسواد
والفلاحين صحبة أردوا التتار فوصلوا إلى عقبة فتركهم التتار أسفل العقبة ، ومنعوهم
من الصعود معهم لعجزهم عن إطعامهم فماتوا بجملتهم ووصل كتاب من البلد إلى
الموصل وفيه إنا اعتبرنا جملة من بقي من أهل البلد فكانوا خمسمائة بيت من خمسة
عشر ألف بيت المتعينون بمن بقي نحو خمسين بيتا والباقون ضعفاء وفقراء .
وأما أهل سنجار فكان أمرهم أخف وكذلك أهل العراق خصوصا بغداد ولم
يصل آمرهم إلى بيع الأولاد وأكل الميتة ومما حكي أن رجل دخل ثلاثمائة وستين
قرية زرع منها ست قرى وخرب باقيها لانقطاع ماء دجلة عنها والنخل أصابه في سنة

الصفحة 225