كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
في طلب النصر ) وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ( [ آل عمران : الآية 126 ] ،
وقال : رب قد بذلت نفسي في سبيلك فتقبلها بقبول حسن ، ونويت المصابرة في
نصرة دينك ، وأرجو أن أشفع النية بعمل يغدو لسان السنان في وصفه ذا لسن ، وتلا
) ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( [ البقرة :
الآية 250 ] واهزم عدونا فقد بايعناك على المصابرة ) والله مع الصابرين ( [ البقرة : الآية
249 ] ، وابتهل إلى الله في طلب التأييد ، وتضرع إليه في ذلك الموقف الذي ما رآه
إلا من هو في الآخرة شهيد ، وفي الدنيا سعيد ، هذا والسيوف قد فارقت الأغماد ،
وأقسمت أنها لا تقر إلا في الرؤوس ، والأسنة قد أشرعت وآلت أنها لا تروي
ظمأها إلا من دماء النفوس ، والسهام قد التزمت أنها لا تتخذ كنائنها إلا من
النحور ، ولا تتعوض عن حنايا القسي إلا بحنايا الأضالع أو لترفعها لا تحل إلا في
الصدور ، والدروع قد لزمت الأبطال قائلة : لا أفارق الأبدان حتى تتلى سورة الفتح
المبين ، والجياد حرمت وطء الأرض وقالت لفرسانها : لا أطأ إلا جثث القتلى ،
ورؤوس الملحدين . فلا ترى إلا بحرا من حديد ، ولا تشاهد إلا لمع أسنة أو بروق
سيوف تصيد الصيد ، والسلطان قد أرهف ظباه ليسعر بها في قلوب العدى
جمرا . وآلى أنه لا يورد سيوفه الطلى بيضا إلا ويصدرها حمرا ، والإسلام كأنه بنيان
مرصوص ، ونبأ النصر على مسامع أهل الإيمان مقصوص ، والنفوس قد أرخصت
في سبيل الله ، وإن كانت في الأمن غالية ، وأرواح المشركين قد أعد لها الدرك
الأسفل من النار ، وأرواح المؤمنين في جنة عالية .
ولما كان بعد الظهر أقدم العدو - خذله الله - بعزائم كالسيوف الحداد وجاء على
قرب من مقدمنا ، فكان هو والخذلان على موافاة ، وجئنا نحن والنصر على ميعاد ؛
وأتى كقطع الليل المظلم بهمم لا تكاد لولا دفع الله عن بزاتها تحجم ، معتقدا أن الله
قد بسط يده في البلاد - ويأبى الله إلا أن يقبضها - متخيلا أن هذه الكرة مثل تلك -
ويأبى الله إلا أن يخلف لهذه الأمة بالنصر ويعوضها - متوهما أن جيشه الغالب ،
وعزمه القاهر ، متحققا أنه منصور وكيف ذاك ومعنا الناصر
والتقى الفريقان بعزائم لم يشبها في الحرب نكول ولا تقصير ، فكان جمعنا ولله
الحمد جمع سلامة وجمعهم جمع تكسير ؛ وحمي الوطيس ، وحمل في يوم السبت

الصفحة 23