كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
أقطاعهم فيكون كل منهم ببلاد أقطاعه إلى حين عوده ، ولا يجتمع أمير بأمير في
غيبته ، وكتب إلى النواب بالشام أن يستقر كل نائب بمقر مملكته ولا يتوجه إلى صيد
إلى حين عوده ، فامتثلت أوامره .
وكان ركوبه من قلعة الجبل في يوم السبت مستهل ذي القعدة ، وأقام بظاهر
القاهرة ما بين قلعة الجب ومنزلة العش إلى يوم الخميس السادس من الشهر ،
واستقل ركابه في هذا النهار إلى الحجاز الشريف في أمن الله ورعايته ثم توجه بعد
ركاب السلطان الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير سيف الدين أرغون نائب السلطنة
فكان توجهه من القاهرة في يوم الاثنين سابع عشر ذي القعدة وأدرك الحج ووصل
والسلطان بمكة شرفها الله تعالى ، وتصدق السلطان بمكة - شرفها الله تعالى -
بصدقات مبرورة وصلاة موفورة وإنعام دان فأغنى بذلك الفقير وسد حاجة ذوي
الحاجات وأحسن إلى أهل مكة إحسانا عاما شمل غنيهم وفقيرهم وكبيرهم
وصغيرهم .
واتفق في هذه السنة وصول ركب من العراق وفيه جماعة من التتار صحبه ثلاثة
من أكابر مقدميهم فلما علموا بوصول ركاب السلطان أخفوا أنفسهم خشية أن يقبض
عليهم فاطلع السلطان على ذلك فأمر بإحضارهم فحضروا بين يديه فأحسن إليهم
وأنعم عليهم ، وشملهم بالخلع السنية بالكلاوت الزركش ومكنهم من العود إلى
بلادهم .
ولما قضى السلطان مناسك حجه ولم يبق إلا عوده تسحب ثلاثة من مماليك
الأمراء الخاصكية مملوكان من مماليك الأمير سيف الدين طقز دمر مملوكا من
مماليك الأمير سيف الدين بكتمر الساقي ، والتحقوا بالأمير عز الدين حميضة فظن
السلطان أنهم انضموا إلى التتار فسار إلى مقدميهم وأمرهم بالكشف عنهم فقام
المشار إليه من مقدميهم الثلاثة وأحضر من معه ، فلم يجدهم معهم ، وأقسموا على
ذلك ، ثم تحقق السلطان وهو بالمدينة النبوية أنهم التحقوا بحميضة وكان من خبرهم
ما نذكره .
ولما عاد السلطان من الحجاز الشريف تبعه جماعة من المشاة ، فكان السلطان
يسوق في آخر الناس فإذا مر في طريقه بمن انقطع منهم وعجز عن المشي يقف عنده
ويحدثه ولا يفارق مكانه إلى أن يستصحبه معه ، فإذا علم ذلك الرجل أنه السلطان
انبعثت نفسه ونهض ومن عجز منهم عن المشي أمر بحمله ففعل ذلك حتى حمل على
جميع ما معه من الظهر الذي يمكن الحمل عليه ثم مر بعد ذلك بمن عجز عن المشي