كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 236 """"""
فتحدث معه على عادته وأمره بالقيام فقال : لا أقدر على ذلك فقيل له إن السلطان
يحدثك ، فقال : قد علمت أنه السلطان ولكن علي والله لا أستطيع المشي فأمر
بحمله ، فقيل له : إن الظهر قد حمل عليه ، فأمر بطرح ما في المحاير من الطين
والخضراوات والبقولات وغيرها ، وأن يحمل على جمالها من عجز عن المشي ،
فامتثل أمره ورفق بالناس غاية الرفق واتصل به أن كريم الدين وكيله قد ضيق على
بعض من معه في العطاء والرواتب ، فنقم عليه وضربه وهمّ بقتله مع تمكنه من دولته
ثم استعطف عليه فسكن غضبه ووصل إلى السلطان هدايا النواب وتقادمهم والإقامات
الوافرة والفواكه من حين خرج من مكة شرفها الله تعالى .
ولما وصل السلطان إلى وادي بنس سالم في عوده وهو من المدينة على ثلاث
مراحل جهز الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير سيف الدين أرغون ، والأمير سيف
الدين قطلوبغا المعزي بالبشارة بمقدمه ، فوصلا إلى القاهرة في يوم الثلاثاء مستهل
المحرم ، وعلى أيديهما كتب البشائر فضربت البشائر وزينت المدينتان أحسن زينة
وبات الناس في حوانيتهم ليالي واستبشروا بسلامته .
وكانت غيبة السلطان الملك ناصر الدين محمد عن القاهرة في ذهابه وحجه
وعوده ثلاثة وأربعين يوما .
ثم وصل السلطان إلى قلعة الجبل في بكرة نهار السبت الثاني عشر من المحرم
ستة عشرين وسبعمائة ، ولما مر بعقبة أيلة وشاهد ضيقها وصعوبة مسلكها أمر بترتيب
جماعة من الحجارين لإصلاح طريقها ، وقطع ما بها من الصخور المانعة من السلوك
المضيقة على الناس فسطرت هذه المثوبة العظمى في صحائف حسناته .
وفي سنة تسع عشرة وسبعمائة توفي الأمير سيف الدين كراي المنصوري
بمعتقله بالبرج بقلعة الجبل في يوم السبت سادس عشر المحرم رحمه الله تعالى .
وتوفي الأمير سيف الدين أغزلوا العادلي أحد الأمراء الأكابر مقدمي الألوف
بدمشق ، في يوم الخميس سلخ جمادى الأولى بداره بظاهر دمشق ودفن بتربته
بقاسيون ، وكان أميرا شجاعا مقداما ، شهد الحروب وأبلى فيها بلاء حسنا ، وقد تقدم
ذكر نيابة دمشق في الأيام العادلية الدينية رحمه الله تعالى وتوفي الصدر بدر الدين

الصفحة 236