كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
الفرسان جماعة رجال أنجاد نحو خمسة آلاف رجل من أهل غرناطة وسلكوا مع
الشيخ أبي سعيد طريق الجبل لكونه أمنع ، وأوصاهم ، أن يكونوا بموضع عينه لهم
ووصل فرسان المسلمين الثالثة من النهار إلى قرب الجيش فلما شاهدهم الفرنج
عجبوا من إقدامهم عليهم مع قلتهم بالنسبة إلى كثرة الفرنج ، وخرج إليهم وزير
ملك الفرنج ، فقال ما هذا الذي فعلتموه ، وكيف أتيتم والملك في يوم عيده ؟
فارجعوا وابقوا على أنفسكم فإنه إن علم بكم ركب لقتالكم ولا ملجأ لكم منه فعند
ذلك حصل للشيخ أبي سعيد حال أخرجه عن عقله فنزل عن فرسه باكيا متضرعا
إلى الله تعالى ، وارتفعت أصوات المسلمين بالدعاء لهم ثم أتاهم من كان قد بقي
بأغرناطة من فرسان المسلمين يتبعون آثارهم فحرض الشيخ أبو سعيد المسلمين على
قتال عدوهم ، وصلى ودعا وبينما هو في صلاته ركب العدو بجملتهم وحملوا على
المسلمين - ولم يعلموا برجال المسلمين التي وصلت من أغرناطة فنزلوا بجهة العلياء
من المنزلة الخالية ، وقصدوا المسلمين فلم ترعهم كثرتهم واستمر الشيخ أبو سعيد
في صلاته حتى أكملها ، ووقف المسلمون ينتظرون ركوبه ، ولما رأى العدو ثباتهم
توقفوا وتهيؤوا وخرج من الفريقين فرسان يحركون القتال فاستشهد أمير رندة فاجتهد
أقرباؤه في أخذ ثأره وأمر الشيخ أصحابه أن يقصدوا طرف المحلة ففعلوا فأفادهم
ذلك ، ومال الروم إلى جهة المحلة بجملتهم ، فألقى الله الرعب في قلوبهم فانهزموا
أقبح هزيمة وأخذتهم السيوف الإسلامية فما زال المسلمون يقتلونهم من الساعة
السابعة إلى الغروب ، ولما أظلم الليل أخذ الفرنج في الهرب وتبعهم المسلمون
يقتلون ويأسرون ، وغاب الجيش عن أغرناطة ثلاثة أيام وخرج أهل غرناطة بجمع
الأموال وأخذ الأسرى ، فاستولوا على الأموال وأسروا وسبوا ما يزيد على خمسة
آلاف من الرجال والنساء والأولاد ، وأحصي من قتل من العدو فزادوا على خمسين
ألفا ، ومنهم من قال ستين ألفا ، ويقال إنه هلك منهم بالوادي مثل هذا العدد لقلة
معرفتهم به وثقلهم بالعدد ولم تبلغ القتلى من المسلمين بالمحلة عشرة وأما الذين
قتلوا بالجبال والشعارى وسائر بلاد المسلمين من العدو فلا يحصى عدده كثرة
ووجد الملوك الخمسة والعشرون بالمحلة قتلى ، منهم دون بطره وعمه دون جوان
وعلق دون بطره على باب الحمراء بأغرناطة وأما عمه وكان ممن يخدم المسلمين
ففديت جثته بشيء كثير وأسارى وأسر من العدو في بقية الشهر خلق كثير فكان
المسلمون يحتاجون في كل يوم لقوت الأسرى وقوت من يحرسهم ويحفظ الدواب
خمسة آلاف درهم قال : وزعم الناس أن الذي وجد من الذهب والفضة بالمحلة