كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
بلاد النصارى فعلم بذلك النصارى المجاورون لمقالقة ولبلاد المسلمين فعزموا على
أن يغيروا على قامرة وحصن نوح من شطر مالقة وبالقرب منها ، فارتقبوا يوم
انفصاله وكان يوم الخميس ، فاجتمعوا في نحو ألف فارس وخمسة آلاف راجل من
أهل استجة وسبتباله وأشونة وستبة وبلى وأليسانه وقبرة ومرشانة وكان الفرنج في
الحشد الأول قد خافوا على هذه البلاد المجاورة للمسلمين فتركوا أهلها بها
لحراستها فوصلوا صبيحة السبت ودخلوا قامرة فأخذوا جميع كسب سلطان المسلمين
وكثيرا من كسب الرعية وخرجوا مطمئنين . وكان قد خرج فارسان من المسلمين
ليلحقا الجيش فظفر الفرنج بأحدهما وهرب الآخر ، فأدرك الشيخ أبا يحيى بحيطين
خضر الوزير ابن الحكيم يعرفه الحال وهو بجماعة مالقة خاصة فرجع لقصد العدو
فحضر على حصن طبية فتبعه من فرسانها نحو ثلاثمائة فارس ممن يعتمد عليهم ،
وترك الضعفاء والثقلة البقلة ونهض إلى حيث ذكر له الفارس أنه لقيهم في أول الليل
في دخولهم فوجدهم قد خرجوا بالمغنم بموضع يقال له برجمه من تحت حصن
سم لي وذلك بعد الظهر فارتفع الفرنج في كدية عالية ، ونزل أنجاد فرسانهم للقتال
فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا فقتلوا أكثرهم ، واستشهد من المسلمين رجل واحد
يقال له سعد الهمداني ، ثم ظهرت ساقة المسلمين ، فارتفع من سلم من مقاتلة
النصارى إلى الكدية وتحصنوا بها بالبرادع والدرق والدواب وامتنعوا ووصل الرماة
من أنتقيرة وحصن المنشأة ، وكان العون من الله تعالى عليهم فما زالوا يجاولونهم
ويقاتلونهم إلى ثلث الليل الآخر فأذعن من سلم من النصارى إلى الإسار ، فنزل
نيف على خمسمائة فأسروا وقتل بقيتهم بالرماح والسهام ورجع الشيخ أبو يحيى
بهم إلى مالقة وجعل منهم أربعمائة أسير اثنين وثمانين أسيرا في حبل واحد ،
وسائرهم مثقلون بالخراج وأركبهم على دوابهم وأخذ منهم قاضي النصارى بأستجة
وحمل ما غنم من عدوهم من السيوف والرماح على خمسة وأربعين جملا ومن
القسي على خمسة وأربعين دابة ، والدرق على نحو من ثلاث عشرة دابة ، وأراح الله
تعالى من هؤلاء الأعداء ونصر عليهم وله الحمد والمنة .
واستهلت سنة عشرين وسبعمائة بيوم الثلاثاء
في هذه السنة في شهر المحرم عاد السلطان الملك الناصر من الحجاز الشريف
كما قدمنا ذكر ذلك في سياقة أخبار حجته ولما عاد إلى الديار المصرية شمل نواب
السلطان وأكابر الأمراء بالإنعام والتشاريف على عادته .