كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
عقائلها نزها للنواظر ، وتظهر كل واحدة منهن في وشي أبهى من الزواهر ، ولبست
جدرانها حلل السرور النضرة ، وأبرزت بعولتهن ما في ذخائرهم ولم يسألوا نظرة إلى
ميسرة - وما ثنت أعطافها - كما أمست وجوه التهاني بها ضاحكة مستبشرة ، ولما مر
بسبلها حلا له ذلك النور ، ولما سلك بين قصريها تحقق الناس أن أيامه زادت على
أيام الخلفاء ؛ فإنها أنشأت قصرين وهذا أنشأ لها قصورا ما بها من قصور ، فمن
بروج تمنت البدور لو كانت لها منازل ، ومن قلاع لو تحصن بها جان لما دارت
عليه دوائر الدهر الغوائل ، ومن قباب علت وليس لها غير الهمم من عمد ، وضربت
على السماحة والندى فما عدم مشيدها حسن البناء ولا فقد ، ومن عقود عقد لها
على عرائس السعود ، وتمكنت في الصعود ، ومن حلي لو ظفر بها الحسن بن سهل
لاتخذ منها لجهاز ابنته على المأمون مالا ألف مثله في زمنه ولا عهد ، ولو رآه ابن
طولون لاعتضد به في إهداء عقيلته للمعتضد ، ومن أواوين تزري بإيوان كسرى الذي
تعظم بناؤه وتحمد ، ويستصغر في عين من رأى إيوانا واحدا من هذه ، وكيف لا
وذاك هدم في زمن محمد [ ] وهذا عمر لنصرة محمد ، وذاك أهلك بانيه وزجر ،
وهذا أيد بانيه ونصر ، ومن سواق جوار وجوار سواق ، وآلات تبهر عند رؤية
حدائقها الأحداق ، ومن عروش وأشجار ، ورياض نضرة تبهت الأبصار ، وقد أخذت
من كل المحاسن بشطر ، وحلت مذاقا . وكيف لا وقد سقيت بالقطر ؟ ومن سفائن
قد ترفعت حتى مرت في الجو من بحر النسيم في لجج ، ومن عجائب إذا حدث
المرء عنها قيل له : حدث عن البحر ولا حرج ، ومن شخوص بالألحاظ تغازل ،
ودمى تسحر العقول بسحر بابل ، وصور يخيل للرائي أنها تنطق ، وأشكال وضعت
صفة للحرب التي أضحت رايتها في الآفاق تخفق ، ومن هيبة للعدى التي أبادتها
الأبطال ، وأعدمت حقيقتها فلم يبق منها إلا مثال يبرز في خيال ، ومن جتور
ظهرت بها آية ملكه لما مرت بنفسها على رأسه الكريم مر السحاب ، وسارت بين
السماء والأرض فلم تحتج مع سعادته إلى عمد ولا إلى أطناب ، ومن فوسان
جملت الجيوش المنصورة حيث لبست لأمة حربها ، واعتقلت رماحها وبارزت
الأقران فكان النصر من حزبها .