كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 31 """"""
ومن أنواع احتفال يعجز عن وصفها البديع الفطن ولولا خوف الإطالة لقلت
ومن ومن إلى أن تنفد كلمة ومن .
والأمة يبذلون في خدمته الجمل والتفاصيل ، ويصنعون له ما يريد من النزه ،
ويعملون ما شاؤوا من تماثيل ، والأسارى قد جعلوا بين يديه مقرنين في الأصفاد ،
يشاهدون مدينة ماثلت ) إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ( [ الفجر :
الآيتان 7 ، 8 ] وهو - خلد الله سلطانه - يسير الهوينا ، وينظر بعين حبره هذا المحفل ،
ويقبل ، وأسراؤه بين يديه كالليث أقبل للفريسة ينقل ، وهم يشكرون حلمه على
السلامة من ريب المنون والأفواه تنطق بشكر الله ) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل
يسحبون ( [ غافر : الآية 71 ] وقد بهتوا لما رأوه من نعم الله التي تنوعت له - خلد
الله ملكه - حتى أتت كل نعمة في وقتها ، وعظمت في عيونهم آيات الله سبحانه ،
ولسان الأقدار يتلو ) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ( [ الزخرف : الآية 48 ]
فلما نظروا بالأمس في إنجاد الملائكة للعساكر المنصورة آية كبرى ، شاهدوا اليوم من
سعادة هذا الملك الذي بنت له الأقدار بين السماء والأرض مدينة فقالوا : هذه آية
أخرى ، واستقلوا ما مروا به من المدائن والأمصار ، وغدوا وعيونهم في جنة وقلوبهم
في نار ، واستصغروا ملكهم المخذول وملكه ، وقالوا : غير عجيب لمن أقدم على هذا
الملك أن يبدد جمعه ، ويفرط سلكه ، وتحققوا أنه من أوتي هذا السعد لا يؤخر إن
شاء الله إمساك كبيرهم وهلكه ، ونودوا أن شاطروه في السلاسل والقيود ، والسيف
يقول : ليس الأمر لمن يسمى - خديعة - محمودا ، محمود ووصل مولانا السلطان تربة
والده السلطان الشهيد - قدس الله روحه - وأمراؤه قد بذلوا في محبته نفائس النفوس ،
وجزيل الأموال ، وأخاير الذخائر ، وركبوا بالأمس للمناضلة عن دولته في سبيل الله ،
وقد بلغت القلوب الحناجر ، وترجلوا اليوم في خدمته تعظيما لشعائر سلطنته ، وطلعوا
في سماء المعالي كالنجوم الزواهر ، وصعد - خلد الله ملكه - تربة والده - رضي الله
عنه - وأنوار النصر على أعطاف مجده لائحة ، ودخلها فلولا خرق العوائد لنهض من
ضريحه وصافحه ، وشكر مساعيه التي اتصلت بها أعماله ، وكيف لا وهي أعمال
صالحة ، وقص مولانا السلطان - خلد الله ملكه - عند قبره المبارك من غزوته أحسن
القصص ، وأسهم من بركة جهاده أوفر الحصص ، فلو استطاع رحمه الله أن ينطق
لقال : هذا الولد البار ، والملك الذي خلفني وزاد في نصرة الإسلام وكسر التتار ، ولو
تمكن رضي الله عنه لأخبره بما وجده من ثواب الجهاد في جنات وعيون ، وبشره بما
أعده الله لمن فقد من المجاهدين في هذه الغزاة المبرورة بين يديه ، وتلا عليه ) ولا

الصفحة 31