كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ^ [ آل عمران : الآية
169 ] ولأثنى على أمرائه الذين فعلوا من المصابرة والمحافظة ما أوجبه حسن التهذيب
منه رحمه الله وجميل التربية ، وشكر عزائمهم التي ما ناداها أهل مملكة لكشف خطب
إلا أجابوهم بمواقع التلبية ، واعتد بطاعتهم للميت والحي ، وموالاتهم التي ذاعت في
كل ناد وحي ، والقراء حول ضريحه يتلون آيات الله التي كان رضي الله عنه بها
عاملا ، ولم يزل ربع تقواه بها آهلا ، فشمل مولانا السلطان - خلد الله ملكه - الأنام
بالصدقات المتوفرة ، وسمح من الذهب والفضة بالقناطير المقنطرة ، وازدحمت الأماني
على سيبه كما ازدحمت الأعادي على سيفه ، فكان كما قيل : [ من الرجز ]
قداح زند المجد لا تنفك من
نار الوغى إلا إلى نار القرى
وركب من التربة الشريفة والرعايا يدعون بدوام دولته التي أضحت قواعد الأمن
بها متينة ، ويرتعون بالمدينة في لهو ولعب وزينة .
وسار جواده بين حلي وحلل ، فاستوقف الأبصار ، في مسلك حفت به غرف
من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار .
وعاد إلى قلعته ظافرا عود الحلي إلى العاطل ، وغدت ربوعه الموحشة لبعده
بقربه أواهل ، وطلعها في أيمن طالع لا يحتاج معه إلى اختبار ولا رصد ، وحلت
شمس ملكه في برجها وكيف لا وهو في برج الأسد ، فالله تعالى يمتع الدنيا
بملك حمى شاما ومصرا ، وأذاق التتار بعزائمه مصائب تترى . وحسبنا الله ونعم
الوكيل .
ولما صنف المولى علاء الدين هذه الغزاة ، وعرضت على المسامع الشريفة
السلطانية شمله الأنعام والتشريف السلطاني ، ووفر حظه من ذلك ، وقد سمعت هذه
الغزوة من لفظه ، ونقلتها من خطه ، وقد أتى فيما أورده بالواقعة المشاهدة ، ووفى
بقوله : إن الغائب إذا وقف على خبره يكون كمن شاهده .
وقد وقفت أيضا على جملة مما صنفه الفضلاء في خبر هذه الغزاة ، وهذا الذي
أوردته أتمها وأكملها وأكثرها استيعابا للواقعة من ابتدائها إلى انتهائها . فلذلك اقتصرت
على إيرادها دون ما سواه .
وعمل أيضا الشعراء قصائد كثيرة يطول الشرح بإيرادها ، وها نحن نذكر منها
قصيدة نظمها القاضي الفاضل جمال الدين أبو بكر عبد القاهر ابن الشيخ نجم الدين