كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
على الدوام ولا زالت مدائحه
تفشى وغر القوافي فيه تبتكر
وافاكم بعزيز النصر في نفر
وقاهم الله ما أوفاهم نفر
قد أيقنوا أنهم جادوا بأنفسهم
من أجل ذا ظهر الإسلام مذ ظهروا
كم فرجوا مأزقا ضنكا بمعترك
وكابدوا في مجال الموت واصطبروا
فبيض الله منهم أوجها كرمت
فإنهم بالأيادي البيض قد غمروا
وحاطهم أين ما كانوا ولا برحوا
في ذمة الله إن غابوا وإن حضروا
هذا ما كان من خبر هذه الغزوة المباركة ونبذة مما قيل فيها ، فلنرجع إلى
سياق حوادث سنة اثنتين وما وقع فيها خلاف ما قدمناه . وفي سنة اثنتين وسبعمائة
صام الحنابلة من أول شهر رمضان على عادتهم في الاحتياط ، واستكمل الشافعية
والمالكية عدة شعبان ، فلما مضى ثلاثون يوما من صوم الحنابلة لم ير الهلال
فأفطروا تكملة للعدة من يوم صيامهم ، وأقاموا الخطبة ، وصلوا صلاة العيد ، وصام
من عداهم من الشافعية وغيرهم ذلك اليوم الذي عيّد فيه الحنابلة وعيّدوا في اليوم
الثاني . وأقاموا الخطبة ، فحصل الإنكار الشديد من نائب السلطنة في الشام على
متولي نابلس ، وهو يومئذ : بدر الدين الصوابي ؛ كونه مكن من ذلك ولم يجمع
الناس على يوم واحد ، ولم يسمع بمثل هذه الوقائع في بلد واحد . وأما البلاد
المتباعدة فقد تختلف مطالعها .
ومن غريب ما وقع في شهر رمضان ما حكاه ناصر الدين محمد بن عليا بن
محمود بن سليمة الأغرناطي : أن أهل أغرناطة صاموا في بعض السنين شهر رمضان
ستة وعشرين يوما . وذلك أن الغيوم تراكمت عندهم عدة شهور قبل شهر رمضان .
فاستكملوا عدتها وصاموا شهر رمضان بعد استكمال شعبان وما قبله . ومن عادة
أغرناطة أن أهلها يحتفلون في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، يوقدون المآذن
كما تفعل أهل مصر والشام في نصف شعبان ، فلما صعدوا ليوقدوا المآذن - على
عادتهم - أقلعت الغيوم فرأوا الهلال وهو هلال شوال ؛ فأفطر الناس وعيدوا ، وقضوا
صيام أربعة أيام ، وهذا أيضا غريب .
ومن غريب الاتفاق في رؤية الهلال أن الناس بدمشق طلعوا إلى المئذنة
لارتقاب هلال رمضان ، والحاكم يومئذ بالشام قاضي القضاة شهاب الدين الحموي ،