كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 32)

"""""" صفحة رقم 5 """"""
مع من شم رائحة الإيمان ، ولا تخطر بباله ، وشهد عليه جماعة من الشهود ، تزيد
عدتهم على ثلاثين نفرا ، وثبت مضمون المحضر على قاضي القضاة زين الدين
المالكي ، فلما تكامل ذلك عنده أعذر إليه ، فلما انقضت مدة الاعتذار حكم قاضي
القضاة بإراقة دمه في عشية نهار الأحد الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ، وجلس
قاضي القضاة في بكرة نهار الاثنين الرابع والعشرين من الشهر بالمدرسة الصالحية
النجمية بين القصرين بالشباك الكبير الأوسط ، وحضر المجلس قاضي القضاة شمس
الدين الحنفي وجماعة من الأعيان والعدول ، وأحضر الفتح بن البققي من الاعتقال ،
وهو يستغيث ويعلن بالشهادتين ، فقال له قاضي القضاة شمس الدين الحنفي : ) ءآلئن
وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( [ يونس : الآية 91 ] وقال قاضي القضاة زين
الدين له : إسلامك لا يفيدك عندي . ثم أمر بضرب عنقه ، فتقدم إليه علاء الدين
أقبرص الموصلي وضرب ضربتين في عنقه بالسيف ؛ ضربة بعد أخرى ولم يخلص
رقبته ، ثم قطعها رجل من الضوية بسكين فأبان رأسه عن بدنه ورفع رأسه على عصى
من عصى النادشتية ، وسحب بدنه إلى باب زويلة فصلب هناك ، ثم دفن . وقال علاء
الدين أقبرص الموصلي ، وحلف بالله أنه رافق ابن البققي في سفرة سافرها من حماة ،
وأنه سمع منه ألفاظا من الزندقة حتى هم مرارا أن يضرب عنقه ، ثم قدر الله قتله
بسيف الشرع بيده ، وما اختلف أحد في فساد عقيدته .
وفي هذه السنة في شهر المحرم سقط برد ما بين حماه وحصن الأكراد ، وفي
بعضه صور تشبه صور بني آدم من الذكور والإناث . وصور قرود وغيرها ، وطولع
السلطان بذلك .
ذكر توجه العساكر إلى الصعيد للإيقاع بالعربان
كانت عرب الوجه القبلي بالديار المصرية قد كثر فسادهم ، وامتدت أيديهم ،
وقطعوا الطريق على المسافرين ، واشتد طمعهم إثر وقعة غازان ، فتوجه الأمير سيف
الدين سلار نائب السلطنة ، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وجماعة كثيرة من
الأمراء بسبب ذلك في أوائل جمادى الآخرة ، وانقسم العسكر على ثلاث فرق ، فرقة
في البر الشرقي ، وفرقة في البر الغربي ، وفرقة سلكت الحواجر من البر الغربي مما
يلي الواحات ، وضربوا على الوجه القبلي حلقة كحلقة الصيد ، وبقي العرب في
وسطها ، وأخذهم السيف من كل مكان ، فتمهدت البلاد واطمأنت الرعايا ، وزال
الخوف وظهر الأمن بعد أن كان العرب قد كادوا يتجاهرون بالعصيان ، وحمل من

الصفحة 5