كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 10 """"""
طفيت ، بعد أن هدم وعدم بسببها من الدور والأموال والأقمشة والأصناف ما لا
تحصى قيمته .
واختلفت الأقاويل ، فقائل يقول : إنها من السماء ، وقائل يقول : لعلها من قبل
الملوك والأعداء ، وآخر يقول : إنما فعله البطالون من الجند والحرافيش لقصد
النهب ، وقائل يقول : إنما هو من فعل النصارى . وترادف الحريق ، وتوالى ، فاحترقت
عدة دور من مساكن الأمراء ، وكانت النيران تقع في أعالي الدور والباذهنجات ،
فاحتفل الناس لذلك وتأهبوا ، واستكثروا من الدنان والخوابي ، وملئوها ماء ،
ووضعوها في الطرقات وعلى أبواب الحوانيت والأسواق والقياسير والاصطبلات
والدروب والدور ، والحريق لا يفتر ، وهو لا يقع غالبا إلا في النهار ، وصار الناس
يسهرون طول الليل بالنوبة ، خصوصا على دور الأمراء ، فإن مماليكهم وغلمانهم كانوا
يبيتون على أسطحة دورهم ، ويضربون الطبول بازات ، ويصرخ بعضهم لبعض ، وامتنع
كثير من الناس من حضور الجمعة لملازمتهم أسطح بيوتهم .
ولقد صليت في بعض الجمع بالجامع الحاكمي مع أحد الأمراء الأكابر مقدمي
الألوف ، وكانت عادته أن يصلي معه من مماليكه وألزامه جماعة كثيرة ، فرأيت الذين
حضروا إلى الجامع نحو الربع ممن كان يحضر ، فسألته عن سبب تخلفهم عن
الحضور ، فأخبرني أنه تركهم لحراسة داره خوفا أن تقع النار فيها ، فيتداركوها بالإطفاء
قبل تمكنها .
فلما كان في يوم الخميس العشرين من الشهر وجد ثلاثة من النصارى في حارة
العطوف ، وقد رموا نارا في بعض الدور ، فما شك الناس عند ذلك أن الحريق من
النصارى ، وانتقلوا من الظن والاختلاف إلى اليقين والإجماع ، وضرب هؤلاء وقرروا ،
فاعترفوا بالحريق ، ثم اعتنى بهم ، فقيل : إنهم من الفلاحين ، وإنهم لم يفعلوا ذلك ،

الصفحة 10