كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 11 """"""
وإنما أقروا لما حصل لهم من ألم الضرب ، فأطلقوا ، هذا والسلطان ينكر أن يكون
ذلك من فعل النصارى ؛ لما يلقيه إليه من له اعتناء خاص بهم ، ويقول المعتنى بهم :
النصارى أضعف أبدانا وقلوبا من الإقدام على هذا الأمر الكبير ، ويستدلون على ذلك
ويوجهونه ، فيقولون : إن النار غالبا إنما تقع في رؤوس الباذهنجات ، وأعالي الدور ،
ودور أكابر الأمراء ، ومن أين يصل النصارى إلى ذلك ؟ فيرجع السلطان إليهم ،
ويقول : هذا لا يتوصل إليه إلا بالنشاب ، وأشاع بعضهم أنه رأى بعض الجند بمصر
يرمي النشاب إلى بعض الدور ، وأن السهم لما أبعد عن القوس وأصابه الهواء أورى
نارا ، وكان السلطان قبل ذلك قد عرض جماعة من الجند ، وقطع أخباز جماعة منهم
نحو السبعين ، واعتقلهم بخزانة البنود لما بلغه عنهم من اللعب والتفريط في
إقطاعاتهم ، وصرفها في المحرمات ، فكان اعتقالهم لطفا بهم ، ولو كانوا في بيوتهم ما
شك السلطان أن هذا من فعلهم ، ثم أمسك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من
الشهر أربعة من النصارى الروم الملكيين فاعترفوا أنهم أحرقوا الدور والأماكن ، ولم
يتحاشوا ولا توقفوا ، بل أقروا بذلك من غير ضرب ولا تهديد ، وقالوا : نحن فعلنا
هذا في مقابلة هدم كنائسنا ، ونحن جماعة خرجنا عراة ، واعترفوا على رهبان دير
البغل ، فأنهى إلى السلطان أن هؤلاء من النصارى العرب الملكيين ، وأنهم ليسوا من
اليعاقبة الذين هم نصارى البلاد ، وإنما فعل هؤلاء هذا لجهلهم ، وحسن من له
اعتناء باطن بالنصارى وميل إليهم أن يأمر بقتلهم ، وإنما قصد تعجيل إعدامهم خشية
أن يقروا على غيرهم ، فأمر السلطان بهم ، فحرقوا في يوم السبت الثاني والعشرين من
الشهر ، والسلطان بالميدان .

الصفحة 11