كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
وفي سنة ثلاث عشرة وسبعمائة توجه الملك المؤيد من تعز إلى الجند ، وكان
قد رسم للأمير أسد الدين محمد بن نور أن يخرج من ذمار ، وينازل حصن هران
الذي هو بيد الأكراد ، وينصب عليه المنجنيق ، ففعل ذلك ، وقتل الأكراد بعض
المماليك وجماعة ، فأردفه الملك المؤيد بالأمير شمس الدين عباس في خمسين فارسا
غير عسكره الذين معه ، فراسل الأكراد السلطان المذكور ، ما سبق لهم من الذمة ،
فأبقى عليهم لشهامتهم ، وأمر بحضور أعيانهم ، فحضر الأميران إبراهيم بن شكر ،
والجلال بن أسد إلى السلطان بالجند ، فاستقرت الحال بينهم على أن يسلموا هران ،
وعادوا إلى ذمار على عادتهم ، وذلك في مستهل شهر رجب من السنة ، وتوجه الملك
المؤيد إلى زبيد ، فدخلها في ثاني عشر شهر رجب .
وفي سنة أربع عشرة توفي الأمير عماد الدين إدريس المقدم ذكره .
ذكر وصول الأمير علاء الدين كشتغدي إلى خدمة
السلطان الملك المؤيد
وفي سنة خمس عشر وسبعمائة وصل الأمير علاء الدين كشتغدي من الشام إلى
خدمة الملك المؤيد باستدعاء من المؤيد ، وكان قبل ذلك أستاذ دار الملك المظفر
صاحب حماه ، وكان خبيرا باللعب بالجوارح ، فتقدم عند الملك المؤيد تقدما عظيما ،
ونادمه في خلواته ، ثم استنابه بعد ذلك ، ورد إليه أمور دولته على ما نذكره إن شاء
الله تعالى .
وفيها ولي القاضي جمال الدين محمد بن الفقيه رضي الدين أبي بكر - الذي
تقدم ذكر والده وعمه - قضاء الأقضية وعمره عشرون سنة ، وكان الملك المؤيد يكرمه
ويعظمه لحقوق أبيه السالفة .
فلما كان في سنة ست عشرة مرض الملك المؤيد مرضا خيف عليه فيه التلف ،
وأرجف الناس بموته ، فراسل القاضي المذكور الملك الناصر جلال الدين بن الملك
الأشرف بالأمور الباطنة ، وأشار عليه بنشر الدعوة ، وآيسه من عمه ، فلما اتصل بذلك
المؤيد خرج من تعز إلى الجند ، وبه بقية التوعك ، فخاف ابن أخيه الناصر من ذلك ،
ولجأ إلى جبل يقال له السورق ، وهو جبل حصين ، وحوله أناس من العربان ، وهو
مطل على مدينة الجند ، فجهز له المؤيد العساكر ، ومقدمها الأمير جمال الدين بن
نور ، فنزل الناصر بذمة ، وحضر إلى خدمة عمه الملك المؤيد ، ووقع الصلح بينهم
والاتفاق ، ويقال : إنه عرفه ما وصل إليه من كتب القاضي ، فعزله عن القضاء ،
واعتقله بحصن تعز ، وفوض القضاء إلى القاضي رضي الدين أبي بكر بن أحمد
الأديب الشافعي .