كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
ثم قيل للعوام والناس : هؤلاء الذين كانوا يحرقون حرقناهم ، فمن احترقت بعد
هذا داره فليمسك جاره ونحن نقابله ، فاشتد ذلك على الناس ، واستغاث العوام ،
واتهموا القاضي كريم الدين وكيل السلطان بالاعتناء بالنصارى والذب عنهم ، وكان
ذلك يظهر عليه ، فلما ركب من الميدان بعد الظهر للانصراف إلى داره شغب جماعة
من العوام عليه ، واستغاثوا ورفعوا أصواتهم بسبه ، ورجموه بالحجارة والطوب ،
فعطف نحو الميدان ، وركض فرسه وخلص منهم ، وأنهى ذلك إلى السلطان ، فحرج
السلطان حرجا كثيرا ، واشتد غضبه ، وانضاف ذلك إلى ما عنده من الحرج على العوام ، فإنه لما كان ركب من القلعة إلى الميدان في بكرة نهار السبت المذكور
استغاث العوام والحرافيش ، وبلغني من جماعة أنهم رفعوا أعلاما ثلاثة : أحدها
أبيض ، والثاني أحمر ، والثالث عليه صليب ، فتغافل السلطان عن ذلك ، ولم يأمر
فيهم بشيء ، فلما وقع منهم هذا الفعل اشتد غضبه ، وجرد جماعة من الحجاب
والنقباء والمماليك حتى أوصلوا كريم الدين إلى داره .
ثم ذكر السلطان هذه الواقعة لأكابر الأمراء كل منهم على انفراده ، فبدأ بالأمير
سيف الدين بكتمر الأبي بكري ، واستشاره فيما يفعل في ذلك ، والمذكور رجل
تركي جافي الطبع ، عديم السياسة ، فقال للسلطان : المصلحة أن السلطان يرسل إلى
العوام فيقول لهم : يا خوشداشية أنتم رعايانا والسواد الأعظم ، وإن كنتم قد كرهتم
هذا الخنزير عزلناه عنكم ، وولينا غيره ، ونطيب خواطرهم ، فغضب السلطان من
كلامه ، وشتمه واستقل عقله ، وسفه رأيه ، وواجهه بالسب ، ونفر في وجهه ، وكان من
أمره ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى .
ثم استشار الأمير جمال الدين آقش الأشرفي بعده ، ولم يعلم ما قاله الأمير
سيف الدين المذكور ، ولا ما قيل له ، فقال : يا مولانا السلطان ، الناس قد كرهوا
هذين الرجلين - يشير إلى كريم الدين الوكيل ، وكريم الدين الناظر - والمصلحة
عزلهما ، وصدقات السلطان كثيرة تشملهما في العطلة كما تشملهما في العمل - أو

الصفحة 12