كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
وكان سبب ملكه أنه لما مات والده نزل الأمير جمال الدين يوسف بن
يعقوب بن الجواد - وكان الملك المؤيد قد فوض إليه الأستادارية والأتابكية ، ونيابة
السلطنة - فتوجه إلى الشجرة حفظا للجهات السلطانية ، ومعه جماعة من العسكر
وأعيان الأمراء ، وثبت ثباتا حسنا في تلك الليلة وحفظ نظام السلطنة ، وضرب بركا
على الشجرة . وكان الملك المجاهد عصر تلك الليلة قد تقدم إلى الحصن ودخله ،
فكاتب الأمراء والأعيان ، ورغبهم فرغبوا إليه ، وصعدوا إلى خدمته ، وتم له نظام
السلطنة ، فلما استقر في الملك عزل الأمير جمال الدين ، وفوض النيابة والأتابكية إلى
الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور ، وكان شاد الدواوين ، وكتب له منشور
وقرئ في دار الضيف ، وفي ذلك اليوم عقد لولدي أخيه المفضل والفائز الألوية ،
ورفع لهم الطبلخاناة ، وقرئ منشور شجاع الدين بحضورهما ، فتغيرت قلوب الأمراء
والجند من تلك الساعة ، وحصل بينه وبين ابن عمه الملك الناصر مراسلة اقتضت
أيمانا وعهودا ، فأرسل إليه من جهته الطواشي صلاح الدين ، والفقيه وجيه الدين
عبد الرحمن معلمه ، فحلف الناصر اليمن المغلظة .
ولما تمكن شجاع الدين من الملك المجاهد ، حسن له أشياء منها أن يقبض
على الناصر ، وسعى شجاع الدين في خلاص المعتقلين بمعقل الدملوة ، وكان فيه
الأميران نجم الدين وبدر الدين ولدا أزدمر المظفري ، وشمس الدين الطنبا أمير جندار
والشريفان داود وأخوه ، ولدا الشريف قاسم بن حمزة ، ونجم الدين أحمد بن أيدمر
الخزندار الفارس المظفري ، وكانت لهم مدة طويلة ، ومنها أن يغير مماليك أبيه ،
ويستجد له عسكرا ، وكان هو والفقيه عبد الرحمن مدبري دولته ، وفوض قضاء
الأقضية للفقيه عبد الرحمن المذكور ، فأرسل شجاع الدين جماعة رايتهم الشيخ
عيسى بن الحريري ناظر المخلاف ، وبدر الدين محمد بن الصليحي ، والشيخ أحمد بن
عمران رأس مذحج ، للقبض على الناصر ، فلما علم بذلك لجأ إلى تربة الفقيه عمر بن
سعيد بذي عقيب من أعمال جبلة ، فأحاطوا به ، وأخذوه من التربة ، ودخلوا به تعز ،
ثم نقل إلى عدن .
ونزل الملك المجاهد من الحصن في ثالث المحرم إلى الشجرة ، فلبث بها إلى
مستهل شهر ربيع الأول ، ثم تقدم إلى الجند فلبث بها أياما ، ثم توجه إلى الدملوة ،
فدخلها وخرج منها ، ولم يعط أحدا مما جرت به العادة إلا قليلا ممن يختص به ،
ومنع الملوك من الدخول إلى المنصورة ، فتغيرت قلوب الناس عليه ، ولما نزل من
الدملوة توجه إلى ثعبات ، وعزم على أخذ حصن السمدان من عمه الملك المنصور .