كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 124 """"""
وكانوا عاملوا شخصا يقال له صالح بن القواس على طلوع الحصن من ورائه باتفاق
جماعة من عبيد الشراب خاناة وكانوا مؤيديه ، فوصل العرب إلى المكان الذي تقرر
طلوعهم منه ، وكان بينهم وبين العبيد إشارة ، فلما علم العبيد بهم أرسلوا لهم الحبال
التي أعدوها للطلوع ، فطلع الحصن أربعون رجلا ، وباتوا تلك الليلة في الشراب
خاناة ، وهي الليلة السادسة من شهر رمضان ، فلما نزل الطواشي شهاب الدين موفق
الخادم بمفاتيح أبواب الحصن خرجوا عليه فضربوه بالسيوف وأخذوا منه المفاتيح ،
ودخلوا على الملك المنصور ، وطلع العرب بظاهر البيوت ، ونادوا باسم المجاهد ،
فترامى العرب المنصورية من الحصن ، وقاتل شمس الدين الطنبا والي الحصن قتالا
عظيما ، فقتل .
ولما علم الناصر بهذه الحادثة ركب في جماعة من العسكر إلى أسفل الحصن ،
فلم يتهيأ لهم ما أرادوا ، وقام سواد البلد على الناصر ، ونادوا بشعار المجاهد ، وحمل
الناس إلى المجاهد بالحبال ، وملك الحصن ثانيا ، واستولى على ما فيه ، وقبض على
عمه المنصور ، فلم يزل في اعتقاله إلى أن مات في المحرم سنة ثلاث وعشرين
وسبعمائة ، ودفن بمدرسة أبيه المظفر .
ولما ملك المجاهد ثانيا حلف للمماليك أبيه ، وكتب لهم ذراعة بالأمان والوفاء ،
وجمع ملوك بني رسول كلهم عنده تحت الاحتياط ما خلا ولدي الواثق ، فإنه لم يعثر
عليهما ، واستناب في السلطنة الأمير جمال الدين نور ، وكان شديد الكراهية له ،
وطلب من عمه الملك المنصور أن يكتب إلى ولده الملك الظاهر بتسليم الدملوة ،
فكتب إليه كتابا شافيا ، فامتنع الظاهر من تسليمها ، فأرسل إليه عسكرا مقدمه الأمير
شجاع الدين عمر بن علاء الدين والشيخ أحمد بن عمران الغياتي ، والشيخ عمران بن
أبي بكر المغلسي ، فخامر جماعة من الأشعوب علىالظاهر مقدمهم ، ومكنوا عسكر
المجاهد من طريق يفضي بهم إلى الصلي ، وحاصروا حصن المنصورة ، وحصل بينهم
وبين عسكر الظاهر زحوف كثيرة ، ولم ينالوا من الحصن شيئا ، فرجعوا وتركوا أكثر
أثقالهم وخيامهم ، فخرج أصحاب الظاهر من المنصورة ، فانتهبوا ذلك .
وفي آخر سنة اثنتين وعشرين اختل أمر المخلاف ، وخرج عن السلطنة ، وثار به
مشايخ العربان والقبائل ، وملكوا أملاك الملوك ، ونهبوا جبلة ، وأخذوا جميع ما فيها
حتى حصر المسجد الجامع ، وخالف بنو فيروز وعسكر الدروب ، واتسعت دائرة
الخلاف .

الصفحة 124