كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 13 """"""
نحو هذا ومعناه من الكلام - وإذا عزلهما السلطان سكنت هذه الفتنة ، فكره السلطان
كلامه أيضا ، لكنه لم يواجهه بما واجه به الأبي بكري ، بل قال له : والله لا بد أن آمر
بوضع السيف في العوام ، وسفك دمائهم ، حتى لا يتجرأ من بعدهم من العوام على
الملوك .
ثم استدعى الأميرين : سيف الدين بكتمر الحسامي الحاجب كان ، وسيف الدين
الملك الحاج ، وهما من الأمراء الأكابر الخصيصين بخدمة السلطان ويعرفان أخلاقه ،
ويبتغيان مراضيه ، فسايراه بالميدان ، فذكر لهما ما فعله العوام بكريم الدين ، وقال :
هذا الرجل هو وكيلي ووزيري ، والمتصرف في دولتي ، وحرمته من حرمتي ، وقد
تجرأ العوام عليه ، ورجموه وأخرقوا حرمته ، فما الذي تريان أن أفعله في ذلك ؟
فاستعظما فعل العوام ، وقالا : لقد وقع العوام في أمر عظيم ما سبقهم أمثالهم إلى
مثله ، وكان ينبغي أنهم لما فعلوا ذلك أن يمسك منهم جماعة ، ويوقع بهم من النكال
ما يكف غيرهم عن التجري والتعدي .
فرسم السلطان أن يتوجه الحاجب ونقيب النقباء ، وجماعة معهم ، ويقبضوا على
من ظفروا بهم من العوام ، فأخبرني الأمير سيف الدين بكتمر الحسامي المشار إليه
قال : والله لما قال السلطان ذلك دخل علي وعلى رفيقي من الألم ما علمه الله تعالى ،
وعلمنا أننا قد تكلمنا بكلام أوجب سفك دماء جماعة من المسلمين ، فتلطفنا
بالسلطان ، وقلنا : إن الذي فعل هذا الفعل ، وأقدم على هذا الأمر العظيم علم أنه
صاحب ذنب وهرب ، واختلط المذنب بالبريء ونخشى أن نمسك من لا أذنب ولا
أقدم على هذا الأمر ، فنعاقب البريء بذنب المجرم ، فيكون ذلك في ذمة السلطان ،
ونحن لا نختار هذا ، ولكن المصلحة أن يخرج القاضي كريم الدين على عادته ،
وتتفرق جماعة من المماليك السلطانية ، فيكونوا بالقرب منه ، لعل البعض يتعرض
إليه ، فيمسك منهم من فعل ذلك ، ويعاقب المذنب حقيقة ، ويسلم البريء ، وتبرأ ذمة
السلطان ، قال : ولم نزل نتلطف به ، ونسكن غضبه ، إلى أن سكن حرجه بعض
السكون .
ولما قرب وقت انصراف السلطان من الميدان أمر الحاجب والنقباء قبل خروجه
بضرب العوام والحرافيش ، وطردهم عن طريق السلطان فيما بين الميدان والقلعة ،
فطردوا ، وركب السلطان إلى القلعة وهو على غاية الحرج ، والحدة والغضب ، وكان
قد أمر بالقبض على العوام ، فمسك منهم جماعة كثيرة ، فأحضر السلطان القضاة في
يوم الأحد الثالث والعشرين من الشهر ، واستفتاهم في أمرهم ، وأنهم انتهكوا الحرمة ،

الصفحة 13