كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 134 """"""
وظهر لمقدم العسكر أن الملك المجاهد قد ضاق من العسكر ، وعمل على ما
يحصل به الضرر التام ، وسأل أن يفرق العسكر ، ويتوجه بعضه إلى عدن ، وبعضه إلى
لحج وأبين وضبا ونواحيها ، وبعضهم إلى مخلاف جعفر ، وبعضهم إلى بلاد المغلسي
وغير ذلك من الجهات ، وقصد بذلك أن يفرق العسكر في البلاد خوفا على نفسه
منه ، وقابل إحسان السلطان بالإساءة على ما نقل مقدم العسكر عنه .
ثم بلغ المقدم أن بهادر الصقري قرر مع المجاهد أن يمنع أهل البلاد من بيع
العلوفات على العسكر ، وربما شهر النداء بذلك ، وكان الأمر السلطاني قد برز لمقدم
العسكر أنه متى ظفر ببهادر الصقري يقتله ، فأخر المقدم قتله ليطمئن غيره ممن كان
قد خالف الملك المجاهد ، ويحضروا ، ثم ينفذ فيهم أمر السلطان .
فلما تحقق المقدم سوء طويته ركب إلى خيمة بهادر الصقري ، وقبض عليه
وعلى الغياث بن نور ، وكانا ممن خالف المجاهد وألبا عليه كما تقدم ، ثم رجعا إلى
طاعته لما بلغهم قرب العسكر ، ثم عملا على إفساد العسكر ، ولما قبض على
الصقري ، وسطه لوقته ، وقيّد الغياث بن نور ، وهو أيضا ممن رسم السلطان بقتله ،
وشهد عليه جمال الدين محمد بن مؤمن ، والزعيم عند مقدم العسكر - على ما حكاه
المقدم في مطالعته للسلطان - أنه عمل على الإضرار بالعسكر ، ومنع الأجلاب عنه ،
فلم يزل في القيد إلى أن رجع العسكر ، ووصل إلى حرض فوسطه المقدم بالقرب من
المخلاف السليماني .
وأما الملك المجاهد ، فإنه لما ضاق بالعسكر ، واشتد خوفه منه ، قال للمقدم :
إن كان السلطان قد رسم لكم بالإقامة باليمن فالأمر إليه ، وإن كان إنما أرسلكم
لنصرتي فارجعوا إلى أبواب السلطان ، وأحضر القاضي والشهود ، وأشهد على نفسه
أنه أذن للعسكر في العود ، ثم طلع المجاهد إلى القلعة ، وامتنع من النزول إلى
العسكر ، فأرسل إلى المقدم أن يرحل بالجيش ، وأنه يلحقه إلى زبيد ، فعاد العسكر
من تعز في التاسع من شعبان ، ووصل إلى زبيد ، وأقام بها في ميعاد المجاهد ، فوصل
الزعيم إلى مقدم العسكر ، وأخبره أن الملك المجاهد توجه من تعز إلى بعض
الجهات ، فانتظره المقدم ثمانية أيام ، فلم يصل فعاد بالعسكر .
ولما وصل إلى منزلة بالقرب من بئر علي ، توفي الأمير سيف الدين ططقر
العفيفي السلاح دار الناصري ، وكان رحمه الله تعالى رجلا جيدا كريما ، صادق
اللهجة ، ووصل أوائل العسكر إلى مكة شرفها الله تعالى عائدا إلى الديار المصرية في
عاشر شهر رمضان ، وآخره في ثالث عشره وأقام بها بقية شهر رمضان ، ثم توجه منها
إلى الديار المصرية .

الصفحة 134