كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 14 """"""
وتعدوا على وكيله ، مع جلالته عنده ، ورجموه ، فأفتوه بتعزير من ثبت عليه أنه رجم ،
فلم يرضه ذلك ، فأمر بقطع أيدي من عرف بالفساد منهم ، فقطعت أيدي أربعة ،
وجرسوا ، ولم يحسم أيديهم ، فمات بعضهم ، وأمر السلطان أن يقيد بقية من
مسك ، ويستعملوا في جسور الجيزية ، ففعل ذلك بهم ، والعوام لا يرتدعون ولا
يتركون العاثة .
وفي يوم الأحد المذكور أمسك بالجامع الظاهري ثلاثة من النصارى قد لبسوا
العمائم البيض ، وتراءوا في زي المسلمين ، ودخلوا الجامع ، وقصدوا إحراقه ، فجيء
بهم إلى متولي القاهرة الأمير علم الدين سنجر الخازن ، فأنكر على نائبه بالحسينية
- وهو الذي أحضرهم - وقال : من يشهد على هؤلاء أنهم حرقوا ؟ وشتمه ، وإنما
فعل ذلك رعاية لخاطر من يعتني بهم ، فتوجه النائب المذكور ، وهجم بيوت هؤلاء
النصارى الذين وجدوا في الجامع ، فوجد فيها آلات الحريق ، وفتايل قد عملت
بالزيت والكبريت ، وغير ذلك من الأصناف المحرقة ، فضرب أولئك ضربا خفيفا ،
فاعترف اثنان ، وأنكر الثالث ، فاعتني بهم فأطلقوا ، ولم ينه خبرهم إلى السلطان ،
وقرر عنده أنه لم يحرق من النصارى إلا أولئك الغرب الذي حرقوا ، وهو لا يشك
في ذلك .
ولما كان في يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر جلس السلطان بدار العدل
على العادة ، وحضر القضاة والأمراء وغيرهم على جاري العادة ، فاستفتى القضاة في
أن يلبس النصارى العمائم البيض على عادتهم القديمة ، وقال : هذا إنما جدد عليهم
في أيامي ، وقد رأيت أن أعيدهم إلى ما كانوا عليه ، فقالوا له : هذه سنة كانت
أميتت ، وقد أحياها الله تعالى في أيام السلطان ، ولا ينبغي إزالتها ، وقال له قاضي
القضاة ، شمس الدين الحنفي : " مذهب أبي حنيفة أن السلطان إذا قرر شيئا على

الصفحة 14