كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، قتله شاب من أقاربه بالبرية ، وكان قد كبر
وأسن ، وولي إمرة المدينة بعده الأمير بدر الدين كبيش .
وفيها في يوم السبت ثالث ذي القعدة توفي نجم الدين أبو بكر بن القاضي
بهاء الدين محمد بن الشيخ بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ، كان بالمدرسة
الناصرية بالقاهرة وكان يقول : إن ما يخاطب به يستغني الآن عن إعادته ، ولم يزل
يدعي ذلك إلى آخر وقت ، رحمه الله تعالى ، والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه
المرجع والمآب .
ذكر غرق مدينة بغداد
وفي جمادى الأولى من هذه السنة زادت دجلة زيادة عظيمة ، وكان ابتداء الزيادة
في يوم السبت ثالث عشر الشهر ، واستمرت الزيادة إلى يوم الثلاثاء ، وعظمت فغرق
دائر البلد جميعه ، بحيث أنه ما بقي أحد من الناس يستطيع الخروج من البلد ، وانحصر
الناس واجتهدوا في عمل السكورة ، وتساوى في العمل الرئيس والمرؤوس ، والكبير
والصغير ، ونقل التراب - حتى الحكام والقضاة والمترفين - في حجورهم وبقيت بغداد
جزيرة في وسط الماء ، واستدار الماء عليها ، ودخل الماء الخندق وكان له هدير عظيم ،
وغرق ما حول البلد ، وخربت أماكن كثيرة منها البازار ، وسائر الترب والبساتين
والسواد والجانبين المتقابلين لسوق الخيل والدكاكين والساباط ، وخرب بستان
الصاحب جميعه ، والمصلى ، وبعض الكمش ، وسائر البساتين التي حوله ، ووصل الماء
إلى الثلاث نخلات ، ووقعت قبة الجعفرية ، وخربت مدرسة عبيد الله ، وغرقت خزانة
الكتب التي بها ، وكانت فيما قيل تساوي عشرة آلاف دينار ، وسطح الماء وعلا بمقدار
عشر قامات ، وكان الإنسان إذا وقف لم ير ما امتد بصره إلا ماء وسماء ، وفتح في الرقة
وخرب إلى الحارثية ، وما ترك طرفه قائمة ، وغرق خلق كثير من المزارعين الذين كانوا
عند زروعهم ممن لم يحسن السباحة ، وغرقت بساتين الرقة مثل بستان القاضي ، وبستان
ابن العفيف ، والخاتوني ، وبستان جمال الدين الدكروالي ، وغرقت بساتين الحارثية ،
مثل : بستان الخادم ، وابن الأمليس ، وسديد الدولة ، وبقي الناس في خلقة ضيّقة ،