كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
وامتنعوا من النوم ليلا والمعايش نهارا من شدة الزعقات ، وخوف الغرق ، وغلق البلد
ستة أيام ، والناس ينظرون إلى الخندق والشط هل زاد أو نقص ، وتحول كثير من الناس
إلى المحال العالية مثل تل الزينية ، وتل اللوازه بالمستضيئية ، وأسكرت سائر أبواب
المحال العالية ببغداد ، وأبواب الخانات بها ، وسد باب خان السلسلة ، وبقي إذا انفتح
من الخندق فتح تداركه الناس بالسد ، والناس يدورون في الأسواق مكشوفي الرؤوس ،
والرقعات الشريفة على رؤوسهم ، وهم يضجون بالبكاء ويخرون إلى الله تعالى ،
ويسألونه كشف هذه الحادثة عنهم ، وودع بعض الناس بعضا ، ولو انخرق إليهم من
الخندق أدنى شيء لغرقوا ، وزاد الماء في الخندق حتى ركب القنطرة الجديدة بسوق
الخيل ، وعلا فيها أكثر من ذراعين ، وبلغ الماء إلى شباك دار شيخ المشايخ ، ولو لم
يعل السور بالسكر كان انقلب إلى البلد ، ولولا ما حصل من هذه البثوق - بثق الخندق ،
وبثق الرقة ، وبثق التعسار - لغرقت بغداد .
قال الناقل : ومع ذلك فإلى عشر سنين ما يمكن عمارة ما خرب بالجانب
الغربي ؛ فإنه غرق أكثره ، وغلت الأسعار أياما ، ثم نقص الماء بعد أن أشرف الناس
على الهلاك ، وكان ابتداء النقص يوم الأربعاء ، وذكر القاضي ابن السباك : أن جملة
ما خرب من البيوت بالجانب الغربي خمسة آلاف وستمائة بيت . نقلت ذلك - وبعضه
بمعناه - من تاريخ الشيخ علم الدين القاسم بن البرزالي ، وقال في تاريخه : إنه كتبه
من كتاب ابن الساعي ، وأنه اختصر بعضه .
ومن غريب ما وقع في ذلك الغرق أن مقبرة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل