كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
ذكر خبر إجراء الماء إلى مكة شرفها الله تعالى
وفي هذه السنة أجريت عين إلى مكة شرفها الله تعالى ، وكان وصول الماء إليها
في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وعشرين وسبعمائة وذلك أن الأمير
جوبان نائب الملك أبي سعيد صاحب العراقين وخراسان اهتم بهذا الأمر اهتماما
عظيما ، وأرسل بعض التجار بجملة كثيرة من المال ، يقال : إنه نحو ثلاثمائة ألف
درهم ، فبذلها في إجراء الماء إلى مكة ، ويسر الله تعالى ذلك له ، وحصل الظفر بآثار
العيون القديمة التي كانت أجريت فيما سلف من السنين ، وقطع التراب الذي كان يمنع
جريان الماء ، ونظف فجرت العين بماء كثير .
وهذه العين قد كانت قديمة ، وقد ذكر الشيخ أبو الوليد محمد بن عبد الله
الأزرقي في ( أخبار مكة ) ما أجري في الحرم من العيون ، فقال : ما ملخصه - وبعضه
بمعناه - : أن رجلا من بني سليم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكة : يا
أمير المؤمنين ، أقطعني حيف الأرين حتى أملأه عجوة ، فقال له عمر : نعم ، فبلغ
ذلك أبا سفيان بن حرب ، فقال : دعوه فليملأه ثم لينظر أينا يأكل جناه ، فبلغ ذلك
السلمي فتركه ، فكان أبو سفيان يدعيه ، ثم كان معاوية هو الذي عمله وملأه عجوة ،
وذلك أنه أجرى في الحرم عيونا عشرة ، واتخذ لها أخيافا ، فكانت حوائط فيها
النخل والزرع ، ذكرها أبو الوليد في كتابه ، قال أبو الوليد : واتخذت بعد ذلك ببلدح
عيون سواها ، ومنها : عين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ببلدح ، وحائط
سفيان ، والخيف الذي أسفل منه .
قال ثم انقطعت عيون معاوية تلك وذهبت ، فأمر أمير المؤمنين هارون الرشيد
بعيون منها فعملت وأحييت وصرفت في عين واحدة يقال لها الرشاد ؛ لتسكب في
المأجلين اللذين أحدثهما الرشيد بالمعلى ، ثم تسكب في البركة التي عند المسجد
الحرام ، ثم كان الناس بعد تقطع هذه العيون في شدة الماء ، وكان أهل مكة والحاج
يلقون من ذلك المشقة ، حتى أن الراوية لتبلغ في الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل .