كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 159 """"""
فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبي الفضل جعفر بن المنصور ، فأمرت في سنة أربع
وتسعين ومائة بعمل بركتها التي بمكة ، فأجرت لها عينا من الحرم ، فجرت بماء قليل
لم يكن فيه ري لأهل مكة ، وغرمت في ذلك غرما عظيما ، فبلغها ذلك ، فأمرت
جماعة من المهندسين أن يجروا لها عيونا من الجبل ، فأرسلت بأموال عظيمة ، ثم
أمرت من نزف عينها الأولى ، فوجدوا فيها فسادا ، فأنشأت عينا أخرى إلى جنبها ،
وأبطلت تلك العين ، وعملت هذه العين بأحسن ما يكون من العمل ، حتى بلغت ثنية
جبل ، وإذا الماء لا يظهر في ذلك الجبل إلا بعمل شديد ، وضرب في الجبل ، فأمرت
بالجبل فضرب فيه ، وأنفقت في ذلك من الأموال ما لا يمكن أن تطيب به نفس كثير
من الناس حتى أجراها الله عز وجل لها ، وأجرت فيها عيونا من الحل منها : عين من
المشاش واتخذت لها بركا تجتمع فيها السيول إذا جاءت ، ثم أجرت لها عيونا من
حنين ، واشترت حائط حنين ، فصرفت عينه إلى البركة ، وجعلت حائطه سدا يجتمع
فيه السيل ، فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها .
قال : ثم إن أمير المؤمنين أمر صالح بن العباس في سنة عشرين ومائتين أن
يتخذ لها بركا من السوق خمسا ، لئلا يتعنى أهل أسفل مكة والثنية وأجيادين والوسط
إلى بركة أم جعفر ، فأجرى عينا من بركة البطحاء عند شعب ابن يوسف من وجه دار
ابن يوسف ، ثم تمضي إلى بركة عند الصفا ، ثم تمضي إلى بركة عند الحناطين ، ثم
تمضي إلى بركة بفوهة سكة الثنية دون دار أويس ، ثم تمضي إلى بركة عند سوق
الحطب بأسفل مكة ، ثم تمضي في سرب ذلك إلى مأجل أبي صلاية ، ثم إلى
المأجلين اللذين في حائط ابن طارق بأسفل مكة ، فهذه العين التي أجريت الآن إنما
هي من ذلك الأصل القديم .
وكان السلطان الملك الناصر قد عزم على إجراء هذه العين ، فصرفه بعض
أرباب الأمر من أتباعه عنها ، وقال : " إن هذا متعذر الإمكان " فلما أجريت الآن تألم
السلطان من كون هذه الحسنة العظيمة لم تجر على يديه .
ذكر عدة حوادث كانت بدمشق
في سنة ست وعشرين وسبعمائة خلاف ما ذكرنا
في هذه السنة وصل إلى دمشق في يوم الأحد منتصف المحرم الأمير محمد بن
عبد القادر بن يوسف بن الأمير أبي القاسم عبد العزيز بن الإمام المستنصر بالله
أمير المؤمنين ، فرسم نائب السلطنة بالاحتياط عليه ، وطولع في أمره الأبواب
السلطانية ، ورسم أن يعود إلى أهله ، فرجع ، ولم يدخل مدينة دمشق .

الصفحة 159