كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
ولما برز هذا المثال ، وغيره من الأمثلة ، لم ينفذ حكمها ، ولا طولب نصراني
بزيادة ، ومنع النصارى من المباشرات أياما قلائل ، وأسلم بعض كتاب الأمراء ،
فاستقروا على وظائفهم ، ثم استقر سائر المباشرين من النصارى على مباشراتهم ،
وذلك أن كريم الدين الناظر أنهى إلى السلطان أن جماعة منهم في الأشغال السلطانية ،
ومتى صرفوا قبل انتهاء السنة فسدت الأحوال ، وتعطلت المصالح ، وسأل أن يستمروا
بقية هذه السنة ، وينفصلوا بعد رفع الحساب ، ووافقه السلطان على ذلك ، وتدافعت
الأيام فاستمروا .
ولما رسم في حقهم بما رسم ، ونودي بما تقدم ذكره ، كف عوام المسلمين
أيديهم عن النصارى ، وظهروا بعد استتارهم ، وكان عوام المسلمين في هذه الأيام
المتقدمة يضربون من ظفروا به من النصارى الضرب الذي يبلغ بهم حد الموت ، مع
إشهار النداء بالأمر السلطاني ألا يتعرض أحد إلى ذمة السلطان للنصارى ، ومن تعرض
إليهم بأذية سفك دمه ، والعوام لا يزيدهم ذلك إلا تماديا ، وحصل للسلطان حرج
على العوام شديد ، فلما شاع هذا الأمر أمسكوا عنهم .
ونودي في يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى ألا يفتح أرباب
المعايش حوانيتهم التي على طريق الميدان ما بين الميدان والقلعة في يوم السبت
خاصة ، وذلك بسبب ركوب السلطان إلى الميدان ، وألا تفتح طاقات الدور التي ينظر
سكانها إلى الطريق الذي يسلكه السلطان في مروره إلى الميدان وعوده ، ومنع العوام
من الخروج لرؤية السلطان ، وركب السلطان إلى الميدان في يوم السبت سلخ الشهر ،
ولعب بالكرة على جاري عادته .
وفي اليوم المذكور ، وقع الحريق بقلعة الجبل في الدار المعروفة بسكن الأمير
سيف الدين ألماس الحاجب ، وكان ذلك والسلطان بالميدان ، ثم طفيت .
وأنكر السلطان على متولي القلعة أشد إنكار كونه أهمل هذا الأمر ، وأحضر
نائب السلطنة والأمراء الخاصكية ، فاجتمعوا للفكرة في هذا الأمر .
ووقعت النار أيضا في ليلة الأحد مستهل جمادى الآخرة بقيسارية بقلعة الجبل
أيضا ، وهي سكن جماعة من المماليك السلطانية تجاور باب القرافة ، ففتح باب القلعة
ليلا ، واجتمع الأمراء الذين بالقلعة ، والمماليك السلطانة واجتهدوا في إطفائها ،
فطفيت ، وهدم ما حول ذلك المكان من الدروب ، ورسم السلطان أن ينتقل من
بالقلعة في المكان المعروف بخراب التتر إلى المدينة .

الصفحة 18