كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 192 """"""
بقي بينهما منزلة أو نحوها ، ففارقه أكثر من كان معه من الأمراء أولا فأولا ، والتحقوا
بالملك أبي سعيد ، فعند ذلك رجع جوبان بمن بقي معه إلى خراسان ، ففارقه من بقي
معه من الأمراء إلى خدمة الملك ، وبقي في نحو ستمائة فارس من ألزامه ومماليكه ،
فتوجه بهم ، ولم يتبعه الملك أبو سعيد ، ولا جرد خلفه عسكرا ، بل رضي كل منهما
من الغنيمة بالإياب ، ولعله إنما ترك ذلك خشية أن يكون لحاق من كان مع جوبان من
العساكر به مكيدة ، وعزم جوبان على اللحاق بأولاد الملك كبك ، والاستنصار بهم
على حرب الملك أبي سعيد .
فلما وصل إلى هراة - من أعمال خراسان - خرج إليه نائبها ، وهو أمير جريء
مقدام ، له فتكات معروفة ، وهو ممن أنشأه جوبان وقدمه فتلقاه وخدمه وعرض عليه
الدخول إلى هراة والإقامة بها إلى انقضاء فصل الشتاء ، ويتوجه بعد ذلك إلى حيث
أحب ، فركن إلى قوله ، ووثق به ، ويقال : إن ابنه حسن كره ذلك ونهى والده عنه ،
وذكر بغدراته ، وكان قد حصل لجوبان مرض منعه من إدامة الحركة والسير ، فترجح
عنده الدخول إلى هراة ، فدخل إليها ، وفارقه ابنه حسن ، والتحق بالملك أزبك
صاحب صراي والبلاد الشمالية ، فأكرمه أزبك ، وأحسن إليه ، ولما صار جوبان بهراة
بادر نائبها بالقبض عليه وقتله ، وكتب إلى الملك أبي سعيد بذلك .
وقتل أيضا ولد لجوبان بكردستان ، ثم حمل جوبان في تابوت ، وجيء به إلى
بغداد في سابع عشرين شوال سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وصلي عليه بالمدرسة
المستنصرية ، ثم حمل إلى مكة - شرفها الله تعالى - في جملة الركب العراقي وطيف
به ، وحمل إلى عرفة ، ثم إلى منى ، وأعيد إلى مكة ، وحمل منها إلى المدينة النبوية
ليدفن في تربته التي أنشأها بالمدينة ، فلما اتصل ذلك بالسلطان الملك الناصر كتب
إلى أمير المدينة النبوية ألا يدفن في التربة ، فدفن في البقيع ، وكان السبب في
الاحتفال به ، وحمله إلى مكة والمدينة أن الملك تزوج ببغداد خاتون ابنة جوبان بعد
مقتل والدها وأخويها ، وحظيت عنده ، وشغف بها ، وكان يحبها قبل ذلك ، وقصد
زواجها ، فزوجها والدها من الأمير الشيخ حسن بن الجتيه ، فلما قتل جوبان أمره
الملك أبي سعيد بطلاقها ، وتزوجها وشغف بها ، وتمكنت من دولته أكثر من تمكن
أبيها على ما نذكر مما يصل إلينا إن شاء الله تعالى من أخبارها ، فأمرت بحمل أبيها
إلى الحجاز الشريف ، هذا ما بلغنا من أخبار جوبان .

الصفحة 192