كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
وأما الأمير دمرداش بن جوبان
وهو نائب الملك أبي سعيد بالمملكة الرومية ، وكان قد استقل بأمرها ، واستولى
على أموالها وعساكرها من غير منازع له فيها ولا معارض ، فإنه لما اتصل إليه خبر
مقتل أخيه دمشق خواجا ، وما كان من خلاف أبيه علم أنه لا يمكنه الإقامة بالمملكة
الرومية ، وأنه متى يفرغ وجه الملك أبي سعيد من أمر جوبان يقصده بالعساكر ، فكتب
إلى السلطان الملك الناصر يسأله الإذن له في اللحاق به ، والانضمام إليه والالتجاء
إلى حرمه ، فأذن له في ذلك ، وكتب السلطان إلى نوابه بالشام بتلقيه وإكرامه .
ولما ورد عليه جواب السلطان حصّن أهله وولده وأمواله بقلعة حصينة ، وجعل
فيها ذخائره وحصنها بالعدد والأقوات الكثيرة ، ثم ركب في عسكر الروم . وأظهر أنه
يتوجه في مهم بأمر الملك أبي سعيد ، فلما كان بأثناء الطريق نزل بمنزلة ، ولبس لأمة
حربه هو ومن يعتمد عليه من ألزامه ومماليكه ، وقال لمن معه من العسكر : أنا متوجه
إلى الديار المصرية ، فمن أحب أن يصحبني فليعتزل العسكر ، ومن أحب الرجوع إلى
بلاد الروم فليرجع ، ومن أحب القتال فليبرز للحرب ، فما جسر أحد منهم على قتاله ،
ولا أقدم على حربه ، بل ترجلوا وخدموه ، ورجعوا إلى بلادهم ، وتقدم هو إلى الشام
في نحو ستمائة فارس ، فكان وصوله إلى دمشق في يوم الأحد خامس عشرين صفر
سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فتلقاه نائب السلطنة بها الأمير سيف الدين تنكز وأكرمه
وجهزه إلى الديار المصرية ، فوصل إلى خدمة السلطان ، والسلطان بمنزلة أوسيم من
الأعمال الجيزية في ليلة الخميس المسفرة عن سابع عشر شهر ربيع الأول ، ومثل بين
يدي السلطان في بكرة نهار الخميس المذكور ، فأكرمه السلطان ، وأحسن إليه ، وأنعم
عليه بتشريف أطلس معدلي بطرززركش وكلوته زركش ، وشاش رقيم وحياصه ذهب
مجوهرة على عادة نواب السلطنة الشريفة ، وحضر في خدمة السلطان في بقية نهار
الخميس إلى قلعة الجبل المحروسة ، وأسكنه السلطان بالقلعة بدار كان يسكنها خاص
ترك الناصري ، ثم رسم بتجديد عمارة دارين بقلعة الجبل وإصلاحهما ، فأصلحا ،
وأسكنه بهما هو ومن معه من الأمراء أصحابه ، ووكل السلطان بخدمته وملازمته
وقضاء حاجته الأمير سيف الدين طرغاي الجاشنكير ، وأنعم السلطان عليه بالأموال