كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
" بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله الذي يرسل آياته تخويفا للعباد ، ويريهم
باهرات قدرته ليسلكوا سبل الرشاد ، ويظهر لهم جبروته في ملكوته ، ليحسنوا لأنفسهم
الارتياد ، ويعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله لا يخلف الميعاد ، ثم يدركهم
برأفته ورحمته ، ويكشف ما نزل بهم من المعضلات الشداد ، ولما كان في يوم
الأربعاء ثاني عشرين ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة أرسل الله تعالى بقدرته
ومشيئته بمدينة عجلون ريحا عاصفا ، فأثارت سحابا ثقالا هطلت بماء منهمر يدوي
وريح زعزع ، فلم تزل الأمطار متواترة الهطل والبروق تلمع ، وأصداء الجبال والأودية
بأصوات الرعود للقلوب تصدع ، حتى ظن أهلها أنها قد أزفت الآزفة ، فارتفعت
الأصوات بأن ليس لها من دون الله كاشفة ، ولفت الرؤوس ، ووجلت القلوب ،
وذرفت العيون ، وطاشت الألباب ، وخضعت الرقاب ، ومدت الأيدي بالدعاء لمن بيده
أمر الأرض والسماء ، وعاينوا في ذلك اليوم هولا عظيما ، وأشفقوا أن يكون أرسل الله
عليهم عذابا أليما ، فبينما الناس على ذلك الحال ذاهلين ، يقولون ) ربنا ظلمنا أنفسنا
وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( [ الأعراف : 23 ] إذ دهمهم سيل عظيم
ماؤه ، طام عبابه هام سحابه ، له دوي شديد ، قد اجتمع من عيون الجبال وبطون
الأودية وقرار الوهاد ، فالتقى الماء على أودية بأمر قد قدر ، إن في ذلك لآية فهل من
مدكر ، فارتفع العويل ، وسكبت العبرات ، واشتد الخوف ، وتضاعفت الحسرات ، وفر
كل واحد من الناس يطلب النجاة لنفسه ، واحتسب عند الله جميع ماله وعقاره
وغرسه ، فأخذ هذا السيل العظيم ما كان في ممره من الدور والقياسير والأسواق ،
ودخل الطواحين والبساتين ، وأخذ جانبا من حارة المشارقة المجاورة للوادي ، وأخذ
العرصة وسوق الأدميين ، وسوق القطانين ، وبعض دار الطعن وسوق الأقباعين ،
وسوق الخليع ، وقيسارية التجار المعروفة بإنشاء الأمير سيف الدين بكتمر ، والقيسارية
القديمة ، وأخذ من قيسارية ملك الأمراء الموقوفة على البيمارستان بصفد عشرين
حانوتا ، وضعضع بقية الجدر ، وهدم الأبواب وهدم سوق الصاغة ، وهدم سوق
النامية ، الذي بقرب العين ، وهدم وقف الجامع ، وسوق السقطيين ، وأما السوق
المعروف بإنشاء الأمير علاء الدين بن معبد وسوق اللحامين وحوانيت الخبازين فإنه
أخذه ، وأخذ السوق المعروف بإنشاء الأمير سيف الدين النائب كان بقلعة عجلون ،
والحوانيت المعروفة بوقف القاضي فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية
الموقوفة على مدرسته بنابلس وأخذ المدرسة النفيسية وهدم رواق الجامع القبلي وباب
الجامع الشرقي ، وهدم جانبا من الحمام الصالحي المعروف بأمير موسى ، وبعض
الحمام السلطاني ، وأخذ ظهارة الجامع والمربعة والمسلخ المعروف بابن معبد ، وأخذ