كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
ما كان في مجراه من الجسور والقناطر والأقباء التي كان يجوز الناس عليها عندما تمد
الأودية وعدم من عجلون تقدير عشرة أبقار ، وهذه قدرة الملك الجبار ، فاعتبروا يا
أولي الأبصار ، وكان مدة تواتر الأمطار والسيل من أول ساعة من النهار المذكور إلى
وقت العصر ، وفي ذيل المشروح خط جماعة من الشهود .
هذا ما أورده الشيخ شمس الدين الجزري في تاريخه .
ونقل الشيخ علم الدين بن البرزالي في تاريخه نسخة الكتاب الوارد من عجلون
فقال :
الحمد لله المحمود في السراء والضراء ، المشكور على الشدة والرخاء الذي
يخوّف عباده بما شاء من معضلات اللأواء ، ويريهم باهرات قدرته في ملكوت الأرض
والسماء ، ثم يعود عليهم برحمته ، ويجللهم بسوابغ النعماء ، أحمده حمدا يزيد على
الإحصاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والكبرياء ، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء ، ومبلغ الأنباء صلى الله عليه وعلى آله الأمناء ،
وأصحابه الأتقياء ، صلاة دائمة بلا نفاد ولا انقضاء ، وبعد : فإنه لما كان بتاريخ نهار
بكرة الأربعاء ثاني عشرين ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة أرسل الله تعالى
بقدرته ريحا عاصفة ، فأثارت سحبا واكفة في خلالها بروق خاطفة ، ليس لما جاءت به
من دون الله كاشفة فطبقت الوهاد ، وجللت الآكام ، وأطبقت على مدينة عجلون وما
قاربها من أرض الشام ، ثم أرخت عزاليها كأفواه القرب ، حتى خيّل لمن رآها أن
الوعد الحق قد اقترب ، فلم يكن إلا كحلب شاة من الضأن ، أو ما قارب ذلك من
الزمان ، حتى صارت مدينة عجلون كما قال الله تعالى في كتابه المكنون : ) ففتحنا
أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ( [ القمر :
11 - 12 ] فوجلت القلوب لهول ذلك وتصدعت ، وكادت الحوامل أن تضع حملها
وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، واندهش أهل البلد عند معاينة هذا الهول الكبير ،
واختلفت همومهم ، فكل إلى ما اشتمل عليه قلبه يشير ، فمن باك على ما في يده من
متاع الدنيا الحقير ، ومن مشفق خائف على ولده الصغير ، ومن غريق عدم نفسه
النفيسة ، ما له من ملجأ يومئذ وما له من نكير ، ومن ناج يقول : أشهد أن الله هو
الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ، ومن ضارع إلى من ليس كمثله
شيء وهو السميع البصير ، ومن قائل ) ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( [ الممتحنة : 4 ] ولسان الحال يتلو قوله تعالى : ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم ويعفوا عن كثير ( [ الشورى : 30 ] ولم تزل الأمطار متواترة ، والسيول من