كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
كل فج متواترة ، حتى تحير من حضر ذلك من الإنس والجان ، وشغلوا بما عاينوه عن
الأموال والأولاد والإخوان ، وظنوا أنهم أحيط بهم ، وجاءهم الموج من كل مكان ،
فتلاقى على البلد واديان : أحدهما من شمالها يسمى الجود والآخر من شرقها يسمى
جنان ، فأخرب وادي الجود بهذه الآية الخارقة جانبا من حارة المشارقة ، ودمّر وادي
جنان ما كان على جانبه من البنيان ، ثم اختلطا فرأى الناس منهما ما لا يطاق ، وأخربا
ما مرا عليه من رباع وقياسير وأسواق ، فأخربا العرصة والمصبغة والفرانين والعلافين ،
وحوانيت الدق وسوق الأدميين وسوق البر العتيق والأقباعية والقطانين ، وحوانيت
الصاغة وما يليها من البساتين ، وردم أمام دار الطعم - بعد إخراب بعضها - أحجارا
وصخورا ، وكل ذلك ليتعظ أهل المكر وما يزيدهم إلا نفورا ، وذهب هذا السيل
العظيم الطامي بجميع سوق الخليع لبكتمر الحسامي ، وأخرب من قيسارية ملك
الأمراء للتجار نحو عشرين حانوتا ، وذهب بكل ما فيها من ثمين ، ثم ردم باقيها على
ما فيه بالأخشاب والأحجار والطين ، حتى رجعت قيمة ما سلم من المائة إلى
العشرين ، وأخرب ما جاوز بحر المدينة من سوق أم معبد واللحامين ، ومن وقف
السقطيين والحضريين وحوانيت العجز وسوق الأمير ركن الدين ثم دمر في وقف
الجامع على ما فيه من الأمتعة والبضائع ، ثم ردم العين بالأحجار والخشب
والصخور ، حتى خشي عليها أهل البلد أن تفور ، ثم أخرب حوانيت الطباخين وجانبا
من حمام الأمير موسى ، وكان ذلك على من لم يرض بقضاء الله يوما منحوسا ثم
أخرب الدباغة وجانبا من حمام السلطان وما يلي ذلك من المطهرة ومسلخ المعز
والضأن ، وأعظم من ذلك إخرابه المدرسة النفيسية والرواق القبلي من المسجد
الجامع ، وفي ذلك ما يحرق قلب كل منيب وخاشع ، وردم داخل الجامع بغثاء السيل والطين والأخشاب ، فاعتبرا يا أولي الألباب . وبلغ الماء في داخل الجامع إلى القناديل
المعلقة ، وذلك بتقدير من يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ، ولم يقرب
شيئا من غالب ما ذكر إلا أتى على ما فيه من الأمتعة والبضائع والأموال ، حتى أتيح
لكثير من أرباب ذلك أن يمد يده للسؤال ، وكان مدة استدامته من بكرة النهار إلى
وقت العصر ) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ( [ هود :
44 ] ، وكان عرض السيل قدر رمية بحجر ، وارتفاعه على بسيط الأرض قدر قامتين أو
أكثر ، وقدّر ما ذهب فيه من الأمتعة والبضائع والأموال وقيمة الأملاك بهذا القضاء
المبرم ، فكان ذلك يزيد على خمسمائة ألف درهم ، وذلك خارج عن الغلات
والمواشي والبساتين والطواحين ظاهر مدينة عجلون ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( [ البقرة :
156 ] ومن جملة لطف الله تعالى مجيئه بالنهار ، فحذر الناس منه ، فلم يعلم في البلد

الصفحة 205