كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)

"""""" صفحة رقم 207 """"""
عليه بكرة النهار ، ودفن بالقرافة ، وكان رحمه الله تعالى حسن الصحبة والعشرة
والمودة ، وله نثر جيد ، ومولده في سنة خمس وأربعين وستمائة تقريبا .
وتوفي في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة الشيخ
كمال الدين . . . الغماري المغربي ، وكان رجلا منقطعا ، لا يتردد إلى أحد ، حسن
اللباس والمأكل ، يأكل غالبا خبز الشعير ، ويطعم أهله ما يختارونه من الأطعمة وكان
من فقهاء المالكية ، وكنت أعهد له كشفا ، اجتمعت به في سنة سبعمائة وهو يوم ذاك
بالمدرسة الشريفية بالقاهرة ، وكاشفني في قضية تتعلق بي ، فوقعت كما قال ، ثم ذكر
لي بعد ذلك قضية أخرى تتفق بي ، فاتفق بعضها كما قال ، وتأخر بعضها ، فاجتمعت
به بعد ذلك في سنة ست وسبعمائة ، وسألته عن حاله وما كنت أعهده فيه من
الكشف ، فأجاب : قد زال ما كنت تعهده منذ استقليت بهذه النميلة - يشير إلى ابنته
فاطمة - وكان قد رزقها ، وكانت من الذكاء على أمر عظيم لم يشاهد مثله من سرعة
الحفظ ، وجودة الإتقان مع صغر السن . أحضرت إلى مجلس شيخنا شرف الدين
عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله تعالى لتسمع عليه جزءا من مسموعاته ،
فامتنع أن يكتب اسمها إلا حضورا ، وقال : هذه صغيرة السن عن السماع ، فلقنها
معلمها سري الدين أبو القاسم الزيدي الحديث الذي كانت تريد أن تسمعه ، فحفظته
بسنده ، وأحضرها إلى الشيخ فجلست بين يديه ، وعمرها يوم ذاك أربع سنين أو
نحوها ، فقالت مخاطبة الشيخ : حدثك - رضي الله عنك الشيخ فلان - وسردت السند
إلى رسول الله [ ] ، والحديث إلى آخره من حفظها فبهت الشيخ من ذلك ، واستعظمه
منها ، وكساها فوطة حرير ، وكتب اسمها سماعا ، أخبرني بذلك معلمها سري الدين
المذكور ، وكان صدوقا رحمه الله ، ثم اشتغلت بعد ذلك وقرأت الكتاب العزيز
بالسبع ، وأتقنت قراءته واشتغلت بالفقه والعربية والأصول وغير ذلك من العلوم ،
وكتبت الخط الجيد المنسوب عدة أقلام ، فكانت تكتب الدروج المشتملة على عدة
أقلام كتابة جيدة ، وتكتب في آخرها : " كتبته فاطمة الغمارية " واشتغل والدها بأشغالها
اشتغالا كثيرا ، فلذلك قال لي ما قال ، وأصيب بها ، وكان رحمه الله تعالى صعب
الخلق شديد الحرج كبير الحدة ما اجتمع به أحد من الأمراء والأعيان والأكابر وفارقه
عن رضى ، وكان يسب من يجتمع به ويتركه أقبح سب عن غير تحاش ، ولعل ما
حصل له من سوء الخلق نتج عن خشونة مأكله ، رحمه الله تعالى وسامحه .

الصفحة 207