كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي في معتقله بدمشق ، ومرض
سبعة عشر يوما ، ولما منع من الكتابة والتصنيف عكف على تلاوة كتاب الله تعالى ،
فيقال إنه قرأ ثمانين ختمة ، وقرأ من الحادية والثمانين إلى سورة الرحمن ، وأكملها
أصحابه الذين دخلوا عليه حال غسله وتكفينه ، وتولى غسله مع المغسل الشيخ
تاج الدين الفارقي ، والشيخ شمس الدين بن إدريس ، وصلي عليه في عدة مواضع
فصلي عليه أولا بقلعة دمشق وأمّ الناس في الصلاة عليه الشيخ محمد بن تمام
الصالحي الحنبلي ، ثم حمل إلى الجامع الأموي ، ووضعت جنازته في أول الساعة
الخامسة ، وامتلأ الجامع بالناس ، وغلقت أسواق المدينة ، وصلي عليه بعد صلاة
الظهر ، ثم حمل وأخرج من باب الفرج ، وازدحم الناس حتى تفرقوا في أبواب
المدينة وصلي عليه بعد صلاة الظهر ، ثم حمل فخرجوا من باب النصر وباب
الفراديس وباب الجابية ، وامتلأ سوق الخيل بالناس ، وصلي عليه مرة ثالثة وأمّ الناس
في الصلاة عليه أخوه الشيخ زين الدين عبد الرحمن ، وحمل إلى مقبرة الصوفية ،
فدفن قريبا من وقت العصر لازدحام الناس عليه ، ومولده بحران في يوم الاثنين عاشر
شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة ، وقدم مع والده في حال صغره ، واشتغل
عليه وسمع من جماعة من المشايخ ، وكان شيخا حافظا مفرط الذكاء ، حسن البديهة ،
وله تصانيف كثيرة منها ما ظهر ، ومنها ما لم يظهر ، وشهرته بالعلم تغني عن بسط
القلم فيه ، وكان علمه أرجح من عقله ، وقد قدمنا من أخباره ووقائعه ما يغني عن
إعادته ، وكانت مدة اعتقاله من يوم الاثنين سادس شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة
إلى حين وفاته سنتين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما ، رحمه الله تعالى ، ولما مات
أفرج عن أخيه الشيخ زين الدين عبد الرحمن في يوم الأحد سادس عشرين ذي القعدة ،
وكان قد اعتقل معه ، فلما مات كان يخرج في كل يوم إلى تربة أخيه ، ويعود عشية
النهار يبيت بقلعة دمشق ، إلى أن حضر نائب السلطنة من الصيد ، فأفرج عنه .
واستهلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة بيوم الجمعة الموافق لثامن هاتور من
شهور القبط ،
والسلطان الملك الناصر يتصيد بجهة سرياقوس ، فأقام بتلك الجهة إلى
يوم الاثنين ، وعاد إلى قلعة الجبل المحروسة في بكرة نهار الاثنين رابع المحرم ، وفي