كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 33)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
ثاني عشر الشهر ، وعاد في الخدمة في يوم الأربعاء رابع عشرة ، فلما كان في يوم
الجمعة سادس عشر الشهر المذكور واجتمعت به بعد صلاة العصر ، وقد صلى وتوجه
ليعود الأمير علاء الدين الجمالي لمرض حصل له ، وعاد إلى داره فرأيته وهو يشكو
من النهج ، واجتمع بعض الأطباء عنده ، وشكا ذلك لهم ، فهونوه عليه ، وقالوا : إنه
يزول .
وكان قبل ذلك قد نقبت خزانته التي بداره من ظاهرها ، وسرق منها ما يزيد
على تسعين ألف درهم ، وظهر ذلك في يوم السبت تاسع المحرم ، فانزعج لذلك ،
واتهم جماعة بالمال ، فطلبوا وعاقبهم متولي القاهرة ، فأقر بعضهم على بعض مماليكه أنه عاملهم على ذلك ، فحصل له من ذلك نكد كثير ، فاجتمعت به في يوم الجمعة
المذكور بهذا السبب ، وكان لي عليه دالة كثيرة ، فتحدثت معه فيما حدث له ، وهونته
عليه ، وذكرته بما ضاع له من الأموال الكثيرة قبل ذلك عند اعتقاله ، وما له من
البواقي الكثيرة عند من داينه ومات أو عجز عن القيام به ، ولم أزل به إلى أن هونت
له ما عدم له ، وكان السلطان قد رسم له أن يعاقب خزنداره بخشي الذي أقر عليه
الذين اتهموا وعوقبوا فسألته عنه ، وقلت له : اتهمه بالمواطأة على مالك ، وتتهم غيره من مماليكه ، وقال : لا والله هم برايا من مالي ، ولا أتهمهم بخيانة ولا مواطأة ، قلت
له : فإذن لا يجوز لك أن تعاقبهم ، وإن فعلت أثمت ، ولم أزل به إلى أن أشهدني
على نفسه أنه ترك الحديث عن المال الذي عدم له ، وأنه لا يطالب به ، وأنه إن وجد
يكون صدقة للفقراء أو لبيت المال ، وقررت معه أن يسأل السلطان أن يفرج عن
المعتقلين بسبب ماله ، وفارقته على ذلك بعد أن توثقت منه أن يفعل ففعل ، وأفرج
عنهم في يوم السبت في سابع عشر الشهر ، فلما كان في يوم الاثنين تاسع عشر الشهر
ركب إلى الخدمة السلطانية على عادته ، فلما انتهى إلى سوق الخيل قال له الحاجب :
رسم السلطان ألا تتكلف الطلوع إلى الخدمة حتى تستقل من الضعف ، فعاد إلى داره ،
وجلس ، ومد سماطه على عادته ، وأكل هو مما أشار به الأطباء ، ثم اشتد به المرض
في ليلة الثلاثاء ، وتزايد في يوم الثلاثاء فمات رحمه الله تعالى ، وكان من أجود الناس
وأحسنهم لقاء لأصحابه ومعارفه ، وتفقدا لأحوالهم ، وسؤالا عنهم إذا حضروا إليه ،
وأكثرهم بذلا بجاهه ، لا يبخل به على أحد ممن يقصده ، سواء كان قديم الصحبة أو
حديثها ، لكنه يرعى لمن يقصده حق قصده ، وإذا طالت غيبة أحد أصحابه عنه ثم جاء
إليه لا يجد مودته قد تغيرت عليه عما يعهد ، بل يسأله عن حاله ، ويظهر له البشاشة
والبشر ، وكان شجاعا حسن الرأي ، رحمه الله تعالى .